كذلك الشعر، إذا هجرته هجرك... دعيت قبل يومين إلى مساجلة شعرية مع صديق قديم، فخذلني الإلهام، فاستنجدت بشيطان الحرف، ولا فائدة، فتركته والتفتّ لشيطان الفكر، فأعرض عني، فاستنجدت بكوندواليزا رايس، فتمنعت. كل الشياطين، تمنعوا وارتحلوا... للأسف، اندثرت الأيام التي كنت أحاور فيها شاعرين في وقت واحد (المحاورة لمن لا يعرفها هي المساجلة الشعرية. أي الشعر الفوري. هات وخذ).
كنا ننجذب لبعضنا. هواة الشعر فقط. نجلس ليلياً. ليس بيننا من لا يعشق الحرف والفكرة والتحدي. كنا نناقش السياسة شعرا، والوظائف شعراً، وهمومنا شعرا، والجمال شعرا، والشعر شعراً. لا حديث سوى بالشعر.
كنا نعشق كبار شعراء المحاورة في الجزيرة ونتابعهم: صياف الحربي ومستور العصيمي ومطلق الثبيتي وغيرهم... كنا نعشق، من بُعد، الزجل اللبناني، ونتابع كبار شعرائه: طليع حميدان والدامور وزغيب وداغر وغيرهم... كنا ننبهر لثقافتهم وسعة خيالهم.
قاتل الله السياسة التي أنستني... تنفس الهواء.
* * *
نحن حنا شعب فاهم غلط. وأكثر الشرائح فاهمة غلط هي شريحة الموظفات الكويتيات.
في إحدى الإدارات الحكومية وجدتهن مكدسات في مكتب مغلق بالمفتاح! طرقت الباب، فجاءني من الداخل صوت زاجر ناهر مقبلٌ مدبرٌ معا: شعندك؟! كدت أرمي أوراق معاملتي وأهرب لخشونة الصوت وبشاعة الاستفسار، لكنني ثبتّ في مكاني بعدما قرأت المعوذتين، واستجمعت بقايا شجاعتي وقلت بصوت مرتجف: افتحي الباب أخت «جينيفر لوبيز» لأشرح لكِ موضوعي ونتفاهم. ففتحت لي الباب. وكانت الكارثة... عليّ النعمة كانت كارثة يعاد بثها الرابعة عصرا! فارتعت وصرخت في وجهها: «اقفلي الباب»، وهربت وأنا أتمتم بلهاث: «هذه وعثاء السفر التي أسمع عنها. أخيرا شاهدتها». لا بارك الله في المدير الذي غشني بقوله: «إذهب إلى مكتب البنات»، ولم يقل: «اذهب إلى الثكنة العسكرية... كتيبة الدبابات».
كان يفترض أن تنعكس الآية، فيغلق الشباب أبواب مكاتبهم بالمفاتيح في وجوه النساء. لا العكس. لأنه من المعروف بأن الشباب في الكويت أجمل من الشابات، وبمراحل. ولا أريد أن أقول بأن «الجكر» هو الصفة الأكثر صدقا في وصف السواد الأعظم من بناتنا. لكنها المجاملة التي أجبرتني والشباب على تزوير الحقائق، مما شجع البنات على إغلاق أبواب مكاتبهن في وجوهنا، وأصبحن يتعمدن التحدث بأسلوب جاف ناشف، مرعب مع المراجعين، كنوع من «الثقل» و«الرزانة»، دون أن يعلمن بأن مَن يغامر من الشباب بــالــحــديـــث مــعــهــن يــســتــحــق أجر الصابرين بإذن الله.
فرجاء، «شوية رحمة» بنا يا نجمات هوليوود... وعقبال الأوسكار.
محمد الوشيحي
[email protected]