No Script

ماذا تريد فرنسا من لبنان وهل ستحقق أهدافها؟ (3 - 3)

إيران وتركيا معاً... ارتياباً من ماكرون

No Image
تصغير
تكبير

حَمَلَ الرئيس إيمانويل ماكرون رسائل في اتجاهات عدة. ومن الواضح أن أميركا لم تعترض على محاولته التدخل المباشر لعلمها أن لبنان بلد معقّد جداً ولا تملك فرنسا القاعدة اللازمة لإحداث التغيير المطلوب. وتريد باريس موقع قدم لها في «بلاد الأرز»، ابتداءً من المرفأ ووصولاً لاتفاقات النفط والغاز والكهرباء والبنية التحتية لبناء قاعدة شعبية وازنة، إذا نجحتْ في مسعاها.
إلا أن هناك سبباً آخَر لوجود فرنسا في منطقة الشرق الأوسط التي غابت عنها لفترة طويلة، ألا وهو الوجود التركي الذي يَبْني لنفسه مواقع ثابتة في ليبيا والعراق وسورية ولبنان وفلسطين. فبعد انفجار المرفأ في 4 أغسطس، وصل نائب الرئيس التركي فؤاد أقطاي إلى لبنان على رأس وفد يضمّ أيضاً وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو معرباً للرئيس ميشال عون عن «استعداد تركيا لبناء المرفأ والمباني المجاورة له».
ولم تقف تركيا عند هذا الحد بل أعلنت استعدادها لمنح «الجنسية التركية لكل مَن يعلن أنه تركي أو تركمان ويرغبون بأن يصبحوا مواطنين». ولهذا دلالاتٌ كثيرة لأن وجود مواطنين أتراك في بلدٍ شرق أوسطي قريب يعطي القيادة في أنقرة العُذْرَ للتدخل المباشر «لحماية مواطنيها». وكان الرئيس رجب طيب أردوغان زار الجالية في بلدة الكواشرة العكارية العام 2010.


وكانت موطئ أقدام تركيا ظهرت في شمال لبنان من خلال المساعدات التي تقدمها الوكالة التركية للتعاون والتنسيق (TIKA) في مناطق الضنية وطرابلس وعكار. وقد سُجّل نشاط ملحوظ لجمعيات تركية في كترمايا وفي مخيم برج البراجنة والدبية وفي مخيمات فلسطينية أخرى.
وقد جرت العادة عند الدول بأن تبدأ الوكالات الإغاثية والوكالات غير الحكومية (NGO) بتمهيد الطريق لبناء بيئة حاضنة لمن يموّل هذه الوكالات. وبالتحديد لبنان، فهذا البلد منفتحٌ على التدخلات الخارجية منذ عقود ويحتضن أي دولة أجنبية وخصوصاً بعد تَراجٌع الدول الإقليمية والدولية التي كان لها دور نافذ في لبنان.
ولتركيا مصلحة في استثمار شركاتها في لبنان للتنقيب عن الغاز والنفط، وترى في هذا البلد أرضاً خصبة لها وحلفاء مستعدين لتبنّي الخط التركي بعد تَراجُع شعبية رئيس الحكومة السابق سعد الحريري وانقسام الساحة السنية وذلك لتعدُّد الزعامات من مَشارب مختلفة.
وليس صدفةً أن تأتي حركة «حماس» وعلى رأسها إسماعيل هنية إلى بيروت، وهي المعروفة بانتمائها لحركة الإخوان المسلمين واصطفافها مع تركيا. فتركيا ترى أن إيران حققت ما تهدف إليه في بلاد الشام، وهي جزء أساسي من النظام الإقليمي الجديد في الشرق الأوسط، ولذلك فإن أنقرة تقترب أكثر فأكثر من طهران وتتعاون معها في ملفات عدة رغم تنظيم الخلافات على الساحة السورية.
وحضور «حماس» إلى بيروت - لمؤتمر المصالحة مع منظمة التحرير الفلسطينية وتوحيد صف المقاومة ووحدة المصير والتضامن العسكري لمواجهة إسرائيل في حال حرب مقبلة - له دلالاتٌ في اتجاهات عدة لبنانية وإسرائيلية وإقليمية وأوروبية.
فالحركة الإسلامية، تمثّل أيضاً الخط التركي الذي حَضَرَ بعد زيارة ماكرون، لتقول أنقرة لباريس إن الساحة ليست خالية وتركيا موجودة أيضاً بأذرع عدة. وهي رسالة للداخل اللبناني رداً على الحياد الذي دعا إليه عنها البطريرك الماروني بشارة الراعي، مفادها بأنه لا يوجد مستقلون ولا محايدون في لبنان وأن البطريرك يمثل فئة لم تعد بحجمها السابق ولا نافذة في لبنان ليقرّر بأي اتجاه تذهب البلاد.
فقد اجتمع الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله بضيفه هنية وأعلنا وحدة المصير في مواجهة إسرائيل. وهذا يعني أن لبنان من الممكن أن يكون قاعدةً لصواريخ تنطلق منه على إسرائيل في حالة حربٍ شاملة على غزة. وكذلك حاولت الإدارة الرسمية اللبنانية عرْقلة دخول ممثلي «حماس»، إلا أن تَدَخُّلَ اللحظة الأخيرة مَنَعَ ذلك.
لكن هذا الانقسام في لبنان لا يُعدّ جانباً سلبياً على «محور المقاومة» لأنه يسمح بعدم تدمير لبنان في حال الحرب المفتوحة مع إسرائيل ويعطي الأمان لمناطق عدة تُعتبر موالية للغرب، وتالياً تريد أوروبا وأميركا حماية هؤلاء، ما يسمح بمتنفس لجميع السكان بإيجاد مناطق آمنة يستطيع المدنيون اللجوء إليها. وبالتالي فإنّ هذا المحور يُقاتِل تركيا في سورية ولكنه يتّفق معها في الملف الفلسطيني والملف الإقليمي والتوازن الذي تفرضه مقابل التدخل الفرنسي - الأميركي.
لم يصِل وزن التدخل الفرنسي في لبنان إلى مستوى يستطيع فرْض قراراته لأن الساحة ليست خالية. وسيعود ماكرون بعد 3 أشهر إلى لبنان ليرى إلى أين وصلتْ الأمور. إلا أنه سيعود ليجد أن لبنان لم يتقدم كثيراً لأن اللبنانيين لم يتعوّدوا حل خلافاتهم بأنفسهم ومن دون التدخل الخارجي.
لقد أحدثتْ زيارة الرئيس الفرنسي زوبعةً في فنجان «وهمروجةً» موقتة. فالطبقة السياسية لا تزال قوية رغم فشلها الذريع منذ عقود وهي تحتمي خلْف طوائفها، رغم أنها أَوْجَدَتْ فراغاً بينها وبين الشعب الذي بدأ يستيقظ ولكن ببطء.
وما يَقْترح فعْله ماكرون ما هو إلا مواقف مؤقتة تعويضاً عن الفراغ الأميركي الحالي. لكن أهداف فرنسا بعيدة المنال. وجلّ ما استطاع ماكرون لمْلمته هو مبلغ أقلّ من 300 مليون دولار، وهي مبالغ غير كافية لإصلاح جزء صغير مما دمّره انفجار مرفأ بيروت. وتالياً فإن من المستبعد أن تحقّق باريس أهدافها في لبنان.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي