No Script

هل يجيد الكاظمي السير بين ألغام الداخل والصراع الإيراني - الأميركي؟

No Image
تصغير
تكبير

دخل العراق مرحلةً جديدةً وخطيرةً تُنْذِرُ بعدم استقرارٍ واضحٍ تتجه إليه بلاد الرافدين بعد زيارة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي لواشنطن وتصريح الرئيس دونالد ترامب بأن القوات الأميركية المنتشرة في العراق ستخْرج بعد ثلاث سنوات وأن بقاءها يتعلق بـ»ردْع ايران».
ويجد الكاظمي نفسه بين نيران متعددة داخلية وإقليمية ودولية، بحيث لا يستطيع أي مسؤول مهما علا شأنه التعامل مع هذا الوضع الخطر والشديد التعقيد. فالاقتصاد المسؤولية الأولى للدولة خصوصاً أن العراق يحتاج إلى عشرات المليارات سنوياً وهي مبالغ لا يملكها لدفع رواتب الملايين من الموظفين وإيجاد فرص عمل وبناء بنية تحتية ليهدئ الشارع الذي يتوقع الكثير بعد حرمان طويل. والأحزاب السياسية تنتظر من الكاظمي مواقف ضدّ أميركا لن يستطيع اتخاذها، ليس لأنه جديد العهد، بل لأن محيطه الداخلي والإقليمي يضغط عليه. فإلى أين يتجه العراق؟
يتّجه العراق نحو التصعيد العسكري التدريجي والمتدحْرج بين «المقاومة» التي تحظى بغطاءٍ سياسي وازن، والقوات الأميركية بالدرجة الأولى والقوات الأمنية بالدرجة الثانية ما ينذر بوضع خطير.


فقد صرّح ترامب خلال استقباله الكاظمي في البيت الأبيض، بأنه لن ينسحب قبل ثلاث سنوات. وهذا التصريح هو ردّ على ما قاله السيد علي خامنئي، مرشد الثورة الإيرانية، أثناء لقائه الكاظمي والذي طالبه بدم اللواء قاسم سليماني، الذي قتلته غارة أميركية في مطار بغداد أثناء قيامه بمهمة تتعلق بحكومة عادل عبدالمهدي. وقُتل معه أبو مهدي المهندس، وقد تباهى ترامب بذلك بقوله: «اثنان في ضربة واحدة».
ويمكن القول إن الرئيس الأميركي أراد إقامة توازن مع خامنئي بتوجيهه رسالةً جوْهرها أنه باقٍ ولن يخرج من العراق كما تتمنى طهران بل انه سيجابهها على أراضي بلاد الرافدين. إلا أن ما يجهله ترامب وفريقه أنهم وضعوا أنفسهم، بحسب دوائر عليمة، حيث تريدهم إيران حين رفَضوا تنفيذ قرار البرلمان العراقي القاضي بانسحاب القوات الأجنبية وتحدّوا مطلب الغالبية البرلمانية التي تريد الانسحاب خلال أشهر قليلة وليس سنوات.
وتالياً فإن إيران تتشوّق لرؤية القوات الأميركية باقية داخل العراق ليتسنى للمقاومة ضرْبها وإيقاع الخسائر البشرية التي تعوّض دم سليماني - المهندس ورفاقهما الذين اغتيلوا معهما وتجبر أميركا على الخروج بالقوة.وكانت تنظيمات مختلفة - ومما لا شك فيه أنها مدعومة من إيران حتى من دون وجود دلائل ظاهرة - قد بدأت بتوجيه الإنذارات والرسائل المتعدّدة عبر ضرب آليات تابعة للقوات الأميركية محمولة على ناقلات عراقية وقصف مدروسٍ لمواقع قرب السفارة الأميركية في بغداد وعلى المعسكرات التي تتواجد فيها.
إلا أن استخدام الهاونات أو صواريخ صغيرة عمياء كانت تكفي لتقول لأميركا إنه لن يكون لها مكان هادئ إذا بقيت في العراق.
أما يوم الأحد الماضي فبدأت هذه المقاومة - وتُعتبر مقاومة وفق هذه الدوائر لأن البرلمان العراقي قرّر إخراج قواتٍ تماطل بالخروج وتفرض نفسها على الدولة بقوة الترهيب - باعتماد أسلوب تصعيدي عبر زرْع عبوة ناسفة على طريق الغزالية حيث كانت القوات الأميركية تنتقل من قاعدة التاجي إلى مواقع أخرى في الصحراء العراقية.
وقد سلمت أميركا الموقع الثامن (الأسبوع الفائت) للقوات العراقية في محاولة لإظهار نيتها بعدم البقاء في بلاد ما بين النهرين. إلا أن هذا الانسحاب المدروس يُعتبر إعادة انتشار ليس إلا، ذلك أن ترامب لن يُقْدِم على خطوة في أيامه السبعين الأخيرة من الحكم يمكن أن تُخْسِرَه نقطة يحتاجها في الانتخابات الرئاسية إذا خرج من العراق بسرعة.
إلا أن هذه السياسة التلكؤية، وفق الدوائر نفسها، هي بالتحديد ما تحتاجه المقاومة العراقية وطهران لضرْب انتخابات ترامب والعمل على إيقاع خسائر بشرية أميركية في العراق في الأشهر المقبلة لإسقاط ترامب في «الوقت الضائع» ما قبل الانتخابات.
أما الكاظمي فقد وقّع اتفاقاً مع أميركا بما يساوي 8 مليارات دولار لإنعاش بعض جوانب اقتصاده ومصادر الطاقة (الكهرباء والنفط) ليعود وبجعبته ما يهدئ الأمور في بلاده التي تحتاج المليارات نقداً ومشاريعاً.
إلا أن المقاومة وأحزابها السياسية القوية كانت تنتظر إعلاناً من الكاظمي من واشنطن يتعلق بالانسحاب الأميركي خلال الأشهر المقبلة. وهذا الإعلان لا يمكن أن يأتي به رئيس الوزراء وهو يتعامل مع إدارة أميركية غير عقلانية وبعيدة عن امتلاكها أي خبرة بإدارة أمور الشرق الأوسط (وحتى إدارة علاقاتها بقارات ودول حليفة أخرى).
لقد قرّرت الفصائل الانتقال إلى الهجوم على القوات الأميركية. وهذا من المحتمل أن يدْفع الكاظمي لردّ فعل لأنه التزم مع أميركا بحماية القوات الأجنبية التي تتمركز في البلاد ما دامت الحكومة العراقية لم تطلب خروجها الفوري. إلا أن رد فعل الكاظمي سيضعه في موقف العداء مع المقاومة العراقية والتنظيمات السياسية التي تدعمها. وهذا ما سيدفع الأمور إلى التدهور داخلياً بين العراقيين أنفسهم حتى ولو أن خطر «داعش» لا يزال موجوداً ويعمل في مناطق عدة من العراق ويحتاج لعمل استخباري وجهد عسكري متضامن لمطاردته ومنْعه من التمدد والضرب.
مما لا شك فيه أن كل القوى السياسية الحالية - أو على الأقل أكثرها نفوذاً اليوم - قد ضعفت شعبيتها وتالياً فإن الانتخابات المقبلة لن تفرز التوزيع الموجود نفسه حالياً.
وتالياً فإن الكاظمي يملك فرصة لتقوية مناصريه وكتلته المستقبلية، هذا إذا اتقن فن المستحيل وهو التوازن بين الوضع الاقتصادي الحرج والصراع الأميركي - الإيراني على أرض بلاده. وستزيد حظوظ الكاظمي إذا سقط الرئيس ترامب في الانتخابات وحلّ مكانه جو بايدن الذي وعد بأنه سيهدئ الأمور ويضع حداً للحرب غير المعلنة بين إيران وأميركا.
وهذا بالتالي سينعكس إيجاباً على العراق وعلى الكاظمي تحديداً. أما إذا أعيد انتخاب ترامب وفريق عمله الذي لا يؤمن بنظرية أنه من «الجنون فعل الشيء نفسه مراراً وتكراراً وتوقُّع نتائج مختلفة»، فإن الكاظمي لن يستطيع كسب الوقت الذي يحتاجه لتهدئة الأمور.
وفي رأي هذه الدوائر أن من غير الممكن للكاظمي أن يدير شؤون العراق باعتماده على أميركا التي أغضبت بسياستها الجميع وحتى أقرب حلفائها الأوروبيين والشرق أوسطيين.
ولا يستطيع رئيس الوزراء النجاح بتقديم بديل عن الأحزاب الموجودة التي شبع منها العراق ويريد التغيير إذا نشبت حرب بينه وبين الفصائل. وتالياً على الحكومة العراقية تَعَلُّم السير بين الألغام الداخلية والأميركية والإيرانية، وبالتالي فإن مسْرح العمليات العراق قد فُتح على مصراعيه وما على العراق إلا القبول بأن الاستقرار لن يكون متاحاً في المنظور القريب.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي