تحديد المسؤول مع تغير ملكيات شركات وإفلاس أخرى... تحدّ قانوني
من يتحمل كلفة الأثر الرجعي في تعديلات «العمل الأهلي»؟
عبء جديد على كاهل الشركات لا سيما «الصغيرة»... بدلاً من تحفيزها
فجوة مالية بين مخصصات المستحقات والالتزامات
التعديلات تنذر بمنازعات قانونية وشركات قد تطعن عليها دستورياً
حذر مختصون من إشكاليات قانونية ومالية واقتصادية ستواجه تنفيذ تعديلات قانون العمل الأهلي، التي أقرها مجلس الأمة بالمداولة الثانية في جلسته أول من أمس، تبدأ بتحديد من يتحمل مسؤولية الوفاء بالالتزامات الناشئة حديثاً، بأثر رجعي، منذ صدور القانون رقم (6) لسنة 2010، أي منذ 10 سنوات، في ظل تغيرات متسارعة في هياكل ملكيات الشركات، وأوضاعها المالية، بل وإفلاس بعضها.
وتنص التعديلات الجديدة للقانون، على استحقاق العامل الكويتي في القطاع الخاص مكافأة نهاية الخدمة كاملة، على أن تكون نهاية خدمته بعد تاريخ العمل بالقانون رقم (6) لسنة 2010، دون خصم المبالغ التي تحملتها جهة عمله نظير اشتراكه في مؤسسة التأمينات الاجتماعية أثناء فترة عمله، وبأثر رجعي منذ العمل بالقانون المذكور، إضافة إلى عدم احتساب أيام الراحة الأسبوعية الواقعة خلال الإجازة السنوية مدفوعة الأجر للعامل ضمن الإجازة.
وأشار مختصون استطلعت «الراي» آراءهم، إلى أن هذا القانون يفتح الباب واسعاً أمام المنازعات القضائية بين الموظفين والملاك الجدد حول تحديد المسؤولية القانونية عن هذه المبالغ، موضحة أن بعض الشركات تلتزم سنوياً بالاحتفاظ بمخصصات لمستحقات العاملين.
لكن مع التعديلات الجديدة لقانون العمل الأهلي، ستكون هناك فجوة مالية بين قيمة المخصصات والالتزامات الجديدة المطلوب من الشركات تحملها، متسائلين «كيف سيتم التحقيق في ظل تضاعف أعباء الكيانات الاقتصادية، ووسط تحديات تهدد الكثير من الشركات بإغلاق أنشطتها إثر تداعيات كورونا؟».
مغازلة انتخابية
من ناحيتها، أشارت مصادر اقتصادية مطلعة، إلى أن إقرار تعديلات قانون العمل الأهلي مغازلة انتخابية، لا يمكن تنفيذها لاعتبارات عدة، أقلها الوضع الراهن للشركات ككل بعد أزمة كورونا، وتداعياته، إذ يمثل القانون عبئاً إضافياً على عاتق القطاع الخاص، بدلاً من دعمه وتحفيزه، في حين يواجه الكثير من الشركات في قطاعات متعددة شبح الإغلاق والإفلاس.
وأكدت المصادر ذاتها، أن الشركات غير مستعدة لتحمل تكاليف جديدة تُثقل كاهلها في ظل أزمة لا يعلم مداها ولا أثرها النهائي حتى الآن، كما أن آلية التعامل مع تعديلات القانون غير واضحة، وستأخذ وقتاً طويلاً لحين وضع اللائحة التنفيذية، لكن التنفيذ، بعد ذلك، سيكون معقداً أيضاً بصورة كبيرة، ولأسباب عديدة، تتعلق بتحديد من يتحمل المسؤولية في سداد مستحقات نهاية الخدمة، وفقاً لما أقرته التعديلات، لموظفين استقالوا أو أُنهيت خدماتهم في شركات منذ العمل بالقانون رقم (6) لسنة 2010، بأثر رجعي، حال تغير ملكيات الشركات التي كانوا يعملون بها، أو إفلاسها، إضافة إلى إثقال كاهل الشركات بالتزامات لم تكن في الحسبان، ستنعكس سلباً على وضعها المالي المتردي أصلاً.
وأشارت إلى أن تحمل المسؤولية في ذلك الجانب يشكل العامل الأهم في احتساب مكافآت نهاية الخدمة، إذ إن لدى الشركات حساب مخصصات لمكافآت نهاية خدمة الموظفين سنوياً لحين انتهاء العلاقة التعاقدية وفق الأطر المعمول بها، لكن مع تطبيق القانون الجديد ستصبح أرقام الالتزامات أعلى من المخصصات، فمن أين ستموّل الشركات فارق القيمة؟
وأكدت أن إلزام الشركات بسداد اشتراكات «التأمينات» دون خصمها من نهاية خدمة الموظف، وبأثر رجعي منذ 2010، يمثل عبئاً كبيراً على صاحب العمل، مقابل تحقيق فائدة أكبر للموظف، كما أن معاملة يوم السبت المصنّف كيوم راحة، معاملة العطلة الرسمية، بعدم احتسابه ضمن الإجازات السنوية المدفوعة للعامل، يرفع كلفة الموظف على صاحب العمل، ويزيد قيمة مكافأة نهاية خدمته.
استحالة التطبيق
وترى المصادر أن التعديلات التي أقرت على القانون مستحيل تطبيقها، وذلك لتغير الكثير من ملكيات الشركات خلال العشر سنوات الأخيرة، ناهيك عن إفلاس وإغلاق أخرى، متسائلة «كيف يمكن للعامل الحصول على مستحقاته في تلك الحالات، وممن؟».
ونوهت المصادر إلى أن التأثير الأكبر للتعديلات، سيكون على الشركات الصغيرة والمتوسطة، بصورة تعيق الكثير منها عن الاستمرار، وذلك بدلاً من دعمها وتحفيزها لتخطي تداعيات «كورونا»، متوقعة دخول شركات كثيرة وموظفيها في صراعات قانونية، إضافة إلى لجوء أصحاب أعمال خلال الفترة القليلة المقبلة، في حال سريان تنفيذ التعديلات، للطعن في دستورية التعديلات من الأساس، لا سيما في التعديل الخاص بالأثر الرجعي لاحتساب مكافأة نهاية الخدمة.
ليست حلاً ناجعاً
أشارت مصادر قانونية، إلى أن تعديلات قانون العمل الأهلي، لم تأت بحل ناجع لمشكلة، أو صورة واضحة لعلاج قضية، بل ستخلق إشكاليات قانونية حال التطبيق، خصوصاً في شأن تحديد من يتحمل المسؤولية في الوفاء بالالتزامات المالية الناشئة حديثاً، وبأثر رجعي، متسائلة «إذا حدث تغير في هيكل ملكيات الشركات على أنواعها خلال الـ10 سنوات الماضية، وبيعت الشركة أكثر من مرة، فمن من الملاك يتحمل المسؤولية قانوناً، المالك الحالي أم الملاك السابقون؟».
ولفتت المصادر إلى أن نوع الشركة في حد ذاته قد يجعل من الصعب تحقيق مبدأ الأثر الرجعي في المستحقات المالية لـ 10 سنوات ماضية، ففي الشركات المساهمة، وشركات ذات المسؤولية المحدودة تظل المسؤولية موجودة، إلا أنه في شركات التضامن والتوصية البسيطة، سنحتاج إلى تحديد من يتحمل مسؤولية الالتزامات من الملاك، الأمر الذي يفتح الباب واسعا أمام إشكالية جديدة تتمثل في عدم وجود ميزان واحد لتحمل المسؤولية.
وأكدت المصادر أن تطبيق القانون بأثر رجعي لا يجوز في حالة العقوبات الجزائية فقط، ولكن مع تعديلات قانون العمل الأهلي يجوز التطبيق بأثر رجعي، رغم نشوء تكلفة مالية حديثة، قد لا يكون للمالك الجديد للشركة أي علم بها، مبينة أن القانون قد يمر حين الطعن عليه دستورياً، بسبب أن الأثر الرجعي لا يجوز في حالة العقوبات الجزائية فقط، إلا لو كان للمحكمة رآي آخر.
ترجيحات بردّ الحكومة للقانون
رجحت مصادر ردّ الحكومة القانون بعد إحالته إليها من مجلس الأمة، لا سيما مع ما أبدته وزيرة الشؤون الاجتماعية مريم العقيل، خلال جلسة أول من أمس، من رفض حكومي للتعديل، بسبب ما وصفته بالمخالفة الدستورية للأثر الرجعي، إضافة إلى تحفظها على استبعاد التأمينات من القانون وعدم احتساب أيام الراحة الأسبوعية ضمن الإجازة السنوية.