رؤية ورأي

الحسينيات بين الاشتراطات الحكومية والبرلمانية

تصغير
تكبير

منذ تأسيس أول حسينية في الكويت في عام 1815، ومعزو أهل البيت - عليهم السلام - يمارسون الشعائر الحسينية داخل وخارج الحسينيات وبيوت العزاء، بحرّية ملحوظة تفاوتت مساحتها من مرحلة زمنية إلى أخرى، حيث تأثرت درجتها بتحوّلات أيدلوجية إقليمية وتموّجات سياسية محلية. ولكن يسجّل للسلطة أنها لم تلجأ إلى حظر مجالس العزاء الحسينية حتى في أصعب الظروف التي عصفت بالبلاد، وكان آخرها التهديدات الإرهابية عقب التفجير التكفيري الذي استهدف المصلّين الصائمين في مسجد الإمام الصادق - عليه السلام - قبل خمس سنوات.
التهديد المستجد في هذا العام هو جائحة كوفيد-19، والحكومة وإن التزمت بنهج الدولة في حماية حرية القيام بالشعائر الحسينية بما يتوافق مع المادة (35) من الدستور، إلا أن وزارة الصحّة حددت ضوابط لانعقاد وحضور مجالس العزاء، تضمنت هذه الضوابط بعض البنود الغريبة، كالبند الأول الذي ينص على «ألا تتجاوز مدّة المجلس 15 دقيقة»، وذلك وفق النص الذي تم نشره في يوم الجمعة الماضي بإحدى الصحف اليومية.
العديد من متولي وروّاد مجالس العزاء أبدوا امتعاضهم من الضوابط خصوصاً بندها الأول، وكان من بينهم بعض النوّاب الذين تواصلوا مع أصحاب القرار من أجل توضيح جوانب مهمة في الشعائر الحسينية يبدو أنها كانت خافية على المعنيين في الوزارة الذين صاغوا الضوابط. وتباعاً نقّحت الحكومة الاشتراطات الصحية، ثم أرفقتها وزارة الداخلية مع الاشتراطات الأمنية في منشورها المعنون «تعليمات مهمة لأصحاب الحسينيات وبيوت العزاء»، حيث عدّل فيه بند مدّة المجلس إلى «عدم إطالة الخطبة».
هناك نقاط عدة تستحق الإشارة في قضية مجالس العزاء في هذا العام، من بينها أن اشتراط الحكومة التباعد الجسدي في المجالس الحسينية وإن كان إجراءً احترازياً محموداً، إلا أن الحكومة تقاعست عن دورها في التعاطي مع تبعات قرارها، من قبيل توفير مواقع إضافية موقتة لاحتواء الفائض من المعزّين. فبإمكان وزارة التربية مثلاً أن تسمح لبعض الهيئات والكوادر الحسينية - بالتنسيق مع مختار المنطقة - استغلال عدد من الصالات الكبيرة التابعة للمدارس كمجالس عزاء طارئة. وهذا بدوره يدفعني لأناشد الحسينيات التي قررت إغلاق أبوابها بسبب الجائحة، أن تفتح أبوابها لاستيعاب الانخفاض الشديد في السعة العددية لمجالس العزاء المفتوحة، مع التأكيد على أهمية توفير مجالس افتراضية متزامنة مع الواقعية.
النقطة الأخرى التي تستحق الإشارة هي أنه لوحظ غياب الأصوات البرلمانية المطالبة بالتشدد مع الحسينيات، كما كانت العادة السنوية لدى العديد من نواب المعارضة المتطرّفة خلال سنوات ماضية. وفي مقابلها، لوحظ أيضاً أن النوّاب الذين تحركوا لاحتواء ومعالجة الأخطاء التي وردت في الضوابط، تجنبوا الأضواء الإعلامية رغم أننا على أبواب انتخابات برلمانية. الشاهد أنه بعيداً عن رأيي في النظام الانتخابي الحالي، إلا أنه ثبت على أرض الواقع أن قانون الصوت الواحد لم يعزز الطائفية كما يدعي البعض، بل خففها كثيراً.
أما النقطة الثالثة فهي أن الاشتراطات «البرلمانية» على الشعائر الحسينية أشد - من حيث التقييد والعقوبة - من الاشتراطات الحكومية. فعلى سبيل المثال، قدّم النائب السابق الدكتور وليد الطبطبائي اقتراحاً بقانون في المجلس الحالي، تبناه من بعده النائب محمد هايف، تَضمّن عقوبة «الحبس» لمن يرفع رايات سوداً على المباني الخاصة أو المركبات دون ترخيص.
المراد أن نوّاب المعارضة المتطرّفة اجتهدوا في التضييق على الشعائر الحسينية من خلال تقديم اقتراحات بقوانين غير دستورية، وأيضاً عبر ممارسة الضغط على الحكومة لتشديد اشتراطاتها. ولذلك مخطئ من يعتقد أن موقفهم من الحريات قد تغيّر بعد المقاطعة، وإن غيّروا خطابهم السياسي... «اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه».

abdnakhi@yahoo.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي