ROUND UP

برشلونة... ما بعد الحرب العالمية الثانية

No Image
تصغير
تكبير

بقدر ما أفاد النادي من ميسي... فقد تضرّر منه نتيجة الاعتماد عليه بصورة ظلمت اللاعب نفسه

بعد الهزيمة النكراء التي تكبّدها برشلونة الإسباني أمام بايرن ميونيخ الألماني 2-8 في الدور ربع النهائي من دوري أبطال أوروبا لكرة القدم، فرض سؤالٌ نفسه بقوة: هل انتهت «أسطورة برشلونة»؟
بالتأكيد أن لا أحد يبغي «النهاية»، بأبعادها السلبية المأسوية، ليس فقط في مضمار كرة القدم، بل في مختلف أوجه الحياة.
البعض يستسلم لـ«النهاية» نهائياً، والبعض الآخر يتّخذ منها نقطة انطلاق نحو «غدٍ أفضل».


كيف سيكون عليه المستقبل؟ الله أعلم، لكن العبرة تبقى في المحاولة والسّعي.
برشلونة يعيش، اليوم، «مرحلة ما بعد نكسة الـ2-8» لأن مفاعيل ما حصل في لشبونة التي استضافت اللقاء أمام «العملاق البافاري»، محت كل ما سبق وفتحت الباب أمام الاحتمالات كافة.
صحيح أن برشلونة عانى، في المواسم الأخيرة، على الجبهات كافة، خصوصاً في المكان الأهم «الملعب»، بيد أن «الدمار» الذي خلّفه بايرن ميونيخ في «الكيان الكاتالوني» كشف المستور وسياسة الترقيع المعتمدة، إلى درجة يمكن تشبيه حال النادي بما خلّفته الحرب العالمية الثانية على ألمانيا التي دُمّرت تماماً.
ماذا فعلت ألمانيا في حينها؟ لم تدفن نفسَها تحت التراب، بل نهضت من تحت الأنقاض وعادت إلى القمّة في شتى المجالات.
تأثير الحرب على ألمانيا كان كبيراً جداً، فقد قُدّرت خسائرها بما يزيد على 5 ملايين قتيل من العسكريين فقط، بينما وصل إجمالي الضحايا إلى حوالي 11 في المئة من مجموع التعداد في تلك الفترة والذي قارب 7.5 مليون نسمة.
نهضت ألمانيا خلال أقل من 30 سنة بعد انتهاء الحرب، بفضل استثمارها في الفرد الألماني الذي عملت عليه وعلى تنشئته منذ الصغر ضمن برامج حكومية مدروسة. أصبح الشعب الألماني المورد الأساسي والأول للاقتصاد.
بدأت ألمانيا، التي انقسمت ما بين شرقية وغربية، شيئاً فشيئاً وببطء باستعادة قوتها، فرفعت مستوى المعيشة، شرعت بتصدير البضائع المحلية، حدّت من مستويات البطالة، رفعت إنتاج الغذاء المحلي، وحاربت السوق السوداء.
أمّا السبب الرئيسي وراء النهضة الألمانيّة بعد الحرب، فهو الثورة الصناعية في شتى المجالات.
شتّان ما بين الحرب وكرة القدم، لكن ما هو مشترك بين ألمانيا وبرشلونة يتمثّل في أمرين:
1 - الإرادة، وهي موجودة لدى الجانبين، وعليها، تحديداً، بنت ألمانيا عودتها.
2 - العنصر البشري، وهو متاح لدى الجانبين: في ألمانيا المعروفة بشعبها الجديّ، وفي برشلونة المشهورة بأكاديمية «لا ماسيا».
برشلونة أكبر من مجرد نادٍ، هو كيان عريق مرتبط عضويّاً بأقليم كاتالونيا الذي لطالما عبّر جزء كبير من سكانه عن الرغبة في الانفصال عن الحكم الإسباني المركزي في مدريد. وبالتالي، ثمة ارتباط وجودي بالأرض، وثمة فخر بالانتماء الى هذا الكيان. ويعتبر نادي برشلونة جزءاً من كل ذلك. إرادة العودة تبدأ من هنا، بالنسبة إلى فريق كرة القدم. هي موجودة أساساً في كينونته. المهم، اليوم، تفعيلها.
أما العنصر البشري فهو متاح. صحيح أن برشلونة ابتعد، في السنوات الأخيرة، عن الزجّ بلاعبين من «لا ماسيا» في تشكيلته، واقتفى أثر أترابه من الأندية العملاقة في «القارة العجوز» لجهة شراء اللاعبين بالملايين، بيد أن عليه العودة الى الجذور كي يستولد تشكيلة تشبه إلى حد ما تلك التي كانت في متناول المدرب جوسيب غوارديولا، وجمعت الأرجنتيني ليونيل ميسي وتشافي هرنانديز وأندريس إنييستا وكارليس بويول وآخرين، على أن يطعّمها بعناصر «من السوق»، وليس عكس ذلك، وهو ما دأب عليه في السنوات القليلة الماضية.
لا تهمّ هوية رئيس النادي والمدرب، وما إذا كانت ستجري تصفية اللاعبين. المطلوب هو تغيير العقلية فوراً.
وبقدر ما أفاد النادي من ميسي، فقد تضرّر منه، نتيجة الاعتماد عليه بصورة ظلمت اللاعب الذي وجد نفسه، في السنوات الماضية، وحيداً وسط العاصفة يحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه، إلى أن حلّت النهاية على يدي بايرن ميونيخ.
على برشلونة أن يطرح على نفسه أسئلة من قبيل: ماذا يمثل النادي؟ ماذا يريد أن يصبح؟ ما هو سبب وجوده؟
أسئلة بنيوية ضرورية تحتاج إلى أجابات تتحوّل، تالياً، إلى خطوات عملية مدروسة.
يواجه الفريق الكاتالوني معركة وجود، اليوم، وصراعاً للحفاظ على مكانته، ليس الرياضية فحسب، بل الاقتصادية والجماهيرية، ولا يُعقل ألا يكون هناك «خطة بديلة» لدى كيان هائل. فإن وجدت، تنفس عشاق النادي الصعداء. وإن انتفت، وهذا المرجح، فإن العودة ستستلزم سنوات وسنوات.
يبدو برشلونة مستسلماً لمصيره، تائهاً بين طيّ «صفحة ميسي» أو البناء حول بقاء ميسي الذي بلغ الـ33 من العمر واقترب من الاعتزال.
رحيل «البرغوث» سيجبر النادي على البدء من الصفر، بيد أن رحيله قد يكلّف غالياً على المستويين الاقتصادي والشعبي.
على برشلونة أن يعي بأن «رياح التغيير» ضربته رغماً عنه وبأنّ عليه التأقلم معها ليحافظ على توازن «مبدئي»، والتوقف عن هدر الوقت والأموال هباءً، كما فعل في السنوات الخمس الماضية، وتحديداً منذ خسارته البرازيلي نيمار، الذي كان يُنظر إليه، في يوم ما، على أنه الخليفة المنتظرة لميسي.
الـ8-2 أكبر من نتيجة. هي انعكاس لواقع جرى ترقيعه لسنوات قبل أن ينكشف اليوم، فوَجَبَ ستره فوراً.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي