من الآخر

مجلس فُرقَة لا مجلس أمة!

تصغير
تكبير

ما زال مجلس الأمة يواصل مسلسل التخبط، وما زال المواطنون يبدون استياءً كبيراً من مردوده، إذ يشعر كثيرون بأن المجلس الحالي لم يرقَ إلى مستوى الطموح، ولم يقدم شيئاً لمصلحتهم، سواء بتقاعسه عن إصدار قوانين تخص قضايا مزمنة، مثل قضايا التعليم والصحة والإسكان والبطالة... إلخ من القضايا التي لم نلمس لها حلولاً على الأرض! أيضاً من الملاحظ على أداء هذا المجلس الإسراف في تقديم استجوابات شكلية، هدفها «أنا هنا»، كأن أعضاءه يستغلون وقوفهم أمام الميكروفون للدعاية الانتخابية لأنفسهم، ولفت نظر ناخبيهم إلا أنهم «يقيمون المجلس ولا يقعدونه»! لقد بُح صوتنا بأن الاستجواب حق دستوري للنواب، ولكن لا بد من استخدام هذا الحق في مساره الصحيح وهذا - للأسف - ما لا يحدث ولا يفطن إليه النواب!
أما كبيرة الكوارث فهي تلك الاستجوابات التي فرّقت الكويتيين على أساس طائفي ومذهبي وطبقي، فحين يعجز النائب عن إقناع ناخبيه بالمبررات التي يستجوب بها أو يدافع عنها في استجوابه، يلجأ إلى مثل هذا النوع من الاستجوابات التي تعكس واقعاً مزرياً وإفلاساً نيابياً، والأمر نفسه ينطبق على بعض الوزراء؛ إذ يلجأون إلى التفرقة والإثارة... وقد يكون ذلك من دون قصد! وفي عجالة، سأحاول تقديم أمثلة لتلك الاستجوابات التي فرقت الكويتيين من غير قصد، مهددة لتلاحمهم الوطني... ثم سأذكر الأسباب والحلول.
الاستجواب الأول، هو استجواب النائب صالح عاشور للوزيرة السابقة هند الصبيح، ومن الغريب أن المستجوِب نفسه دافع لا شعورياً - ربما من منطلق يكاد المريب يقول خذوني - عن توجهه هذا، وقال: «إن البعض يظهر هذا الاستجواب على أنه استجواب طائفي وأنا بينت أنني ضد أي توجه يدعو إلى طرح قضية طائفية تنعكس سلباً على وحدتنا الوطنية»، لكن النائب عادل الدمخي، الذي تحدث معارضاً الاستجواب، رد عليه بالقول: «هناك من يعيش على نَفَس طائفي ويظن أن كل كلمة له أو كل جولة هي معركة انتخابية، ويعمل على تحويل كل شيء إلى قضية طائفية». هذا الحوار شد الناس عن موضوع الاستجواب وأثار الحوارات الطائفية.


 الاستجواب الثاني كان من النواب رياض العدساني ومحمد الدلال وعادل الدمخي للوزير محمد الجبري، هذا الاستجواب قسَّم الكويتيين بشكل غير مباشر على أساس آخر: «بدو» و«حضر»، ويظهر هذا في مقدمة النائب خالد العتيبي الذي تحدث معارضاً الاستجواب، ومشيداً ومدافعاً بـ«قريبه» الوزير قائلاً: «نحن نأتي للقاعة - للأسف - بكل نَفَس عنصري، وإذا أنتم تخشون رؤوسكم وتقولون ما في عنصرية! لا عنصرية، ولأن الوزير قبلي سكتم».. لا أعلم ما شأن هذه الكلمات بمحاور الاستجواب، الذي لم يتطرق لا من قريب او بعيد لهذه الفتنة العنصرية، والله أعلم ما ضرورة هذا الطرح الذي قد يفرق أكثر مما يقرب.
أما الاستجواب الثالث فكان من الوزير براك الشيتان، وهو استجواب قسم بشكل غير متوقع الكويتيون على أساس «طبقي» بين «تجار» و«طبقة وسطى»، واستدل بذلك من كلمة مؤيد الاستجواب النائب راكان النصف: «وعدت الناس أن أغلبية بيت التمويل راح ترد بيد الشعب وليست بقيادة التجار، هذا اللي أنت وعدتهم فيه، وصفقوا لك! شو اللي صار، شو اللي صار؟ خديت القيادة؟! خديت مجلس الإدارة؟! أيضاً ما أخذيته!»، وهنا تلميح يُفهَم منه أن «التجار» طرف في نزاع القيادة، وبالتالي هم عامل مؤثر في استجواب الشيتان، وهو ما حمل الشارع الكويتي على الانقسام والتذمر من بعض التجار الفاسدين الذين يستغلون البلد ومقدراته، على حساب إقصاء الطبقة الوسطى!
كل ما سبق يفضي بنا إلى أسئلة عدة: هل هناك أزمة هوية؟ أم أن هناك استغلالاً سيئاً للانتماءات على شاكلة «فرق تسد»؟ أم هو تكتيك سياسي؟ أم أن هذه التوجهات ظهرت مصادفة من دون أي تأثير من الساسة؟ الحقيقة أن هناك أزمة «قيم» في مجلس الأمة، وهو ما يوجب تفعيل القانون رقم 19 لسنة 2012 بشأن حماية الوحدة الوطنية، وألا يستثنى النواب في مرافعاتهم من الامتثال لهذا القانون، بل يجب أيضاً أن يتشدد رئيس المجلس في تطبيق المادة 90 من اللائحة الداخلية للمجلس التي تعطيه صلاحية رفع الجلسة إذا اختل النظام.
إن أي طرح طائفي أو عنصري أو طبقي يمثل - بلاشك - داء خبيثاً في جسم أي مجتمع، وله تداعيات سلبية ممتدة وكامنة، لا يقتصر أثره على فئة بعينها، أو زمان بعينه، لذا كان القانون السابق المُشار إليه الذي يجرم هذا الفعل المشين... أما أن يكون أعضاء مجلس الأمة هم من يكرسون هذا النهج «التقسيمي»، بقصد أو من دون قصد، فإن الأمر جد خطير، وفي حاجة إلى اجتثاث كل مظاهره المقيتة من جذورها!
 إن الإصلاح المُرتجى أصبح في عهدة الشعب الكويتي وحده، إذا أراد الحفاظ على نسيجه الوطني الذي طالما كان سداً منيعاً أمام أطماع ورغبات الكارهين، بأن يقول كلمته في الاستحقاق الانتخابي المقبل، لأننا فعلاً نعيش أزمة «تصنيف»، وللأسف من يكرس لهذا التصنيف والتقسيم هم الساسة لتحقيق مكاسب تتغذى على جراح المجتمع، ولن أقول نواب الشعب؛ لأنهم بما يفعله بعضهم تحت قبة عبدالله السالم لا ينوبون عن الشعب فيه، بأي شكل من الأشكال، خصوصاً أن الشعب وحده هو من يدفع فاتورة هذا العبث!

Nasser.com.kw

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي