رحيله يسدل ستاراً على حقبة الغوص والسفر بالسفن الشراعية

عيسى بشارة... وداعاً آخر النواخذة

تصغير
تكبير
  • تعلم فنون البحر من النوخذتين والده وجده... وأول إبحار  له عندما كان  في عمر الـ 10 أعوام 
  • سافر كنوخذة  إلى البصرة  وعاد بأمان الله فكسب ثقة أهل البحر  قبل أن يبلغ الـ 20 عاماً 
  •  قبل وفاته كان يحن  إلى أيام السفن الشراعية والإبحار فيتوجه  إلى ساحل الشويخ  يناجي الأيام الخوالي

في يوم عرفة المبارك، طوى النوخذة عيسى يعقوب بشارة، آخر صفحات عمره الـ101 عاماً، لتطوي الكويت برحيله أهم صفحة من مراحل تاريخها التجاري في حياة البحر، الذي شكل ارتباطاً وثيقاً لأهلها في السفر بين الموانئ على السفن الشراعية، التي سلكت كل الطرق لبناء الوطن، قبل اكتشاف النفط.
بوفاة النوخذة عيسى، أسدل الستار على الفترة الزمنية الصعبة، لأيام الغوص والسفر بواسطة السفن الشراعية، التي انتقلت بعد ذلك إلى حياة الرفاهية، بعد ظهور السفن الحديثة، حيث يعد آخر نوخذة كويتي ركب السفن الشراعية، واشتغل في الرحلات التجارية بين الكويت والهند.
وحتى قبل وفاته كان الفقيد، يحن ويشتاق الى أيام السفن الشراعية، والابحار، وسط امواج البحار والمحيطات، فعندما يضيق صدره يتوجه الى ساحل الشويخ ويناجي البحر ويتذكر الايام الخوالي.
ويقول الفقيد عيسى بشـــارة في أحـــد اللقاءات «بــــدأت ركــــــوب البحر، مع الوالد رحمـــه الله في العام 1929، وكان نوخذة على سفينة يمتلكها، اسمها سهيل، وركبت معه موســـم 1930 في سفينته الشـــراعية ايضاً، وفي عام 1931 باع الوالد سفينته فلم أدخل البحر، وفي السنة التي تلتها ركب الوالد نوخذة على بوم اسمـه العثمــاني، وركبت معــه فــــي هذه السنة والسنة التي بعدها، حيث تعلمــت منه الملاحة البحرية وفنونها ومقاييسها، ومعرفة النجوم، ثم ركب الوالد نوخذة على بوم اسمه تيسير، وسافرت معه لمواسم عدة، حتى عام 1935، حيث ركبت معلماً اي مساعد للنوخذة في بوم اسمه سردال ملك التاجر أحمد الخرافي، ونوخذه المرحوم حسن الربيعة».
ويتابع بشارة «في سفرة 1936 ركبت مع النوخذة عبدالله العثمان، وكنت معلماً وكان معنا عيسى العثمان، وهو اصغر مني، وكان اول مرة يركب مع سفن السفر الشراعي، وقمت بتعليمه فنون البحر وحساباته، واتقنها بابداع، وركبت معه السنة التي وراها ايضاً كمعلم، واثناء عودتنا الى الكويت بعد انتهاء الموسم، كان المرحوم احمد الخرافي، قد بنى في هذه السنة بوماً كبيراً، أطلق عليه اسم الناصر، وحمولته كبيرة تقـــدر بأربعة آلاف وخمسمئة طنّ، وتم الانتهاء من تجهيزه بعد بدء موسم السفر الشراعي بفترة قصيرة، وأراد الخرافي السفر به، ولم يكن هناك نواخذة بالكويت، فجاء الى جدي النوخذة معيوف بشارة، وطلب منه ان يتنوخذ عليه، الا ان جدي رفض لأنه ترك التنوخذ لكبر سنه، وألح عليه الخرافي».
وقال له «لكي يتبارك المحمل» فضحك جدي ووافق على طلبه، وعاد الى البحر، بعد ان تركه وسافر في البوم «الناصر».
ويقول الفقيد في لقائه السابق «بعد عودتي من الهند عند انتهاء الموسم، كان لدى التاجر براك العجيل بضاعة في البوم يريد توصيل بعضها إلى البصرة، فقلت لهم انا سأركب مكان جدي كنوخذة على بوم الناصر، ووافق الخرافي وجدي، وتوكلت على الله، وسافرت إلى البصرة كنوخذة، وعدت بامان الله، وبعدها كسبت ثقة أهل البحر، وكان عمري أقل من عشرين سنة».
وفي حديثه عن الكويت يقول بشارة «أنشئت على البحر كميناء مهم على الخليج العربي، وهو امتداد تاريخي من آبائنا وأجدادنا الذين عملوا على ركوب السفن الشراعية والسفر بواسطتها الى بلدان بعيدة، بقصد ممارسة التجارة، وقد ابدعوا واصبحت هذه من المهن الرئيسية لاهل الكويت ومصدر رزقهم، فكانوا يتبادلون الخبرات والتجارب وكل واحد يعلم الثاني فنون البحر، ولم تكن هناك مدارس لتعليمهم الربابنة والتنوخذ، انما تعلموها بواسطة الاجتهاد والممارســـة، وكانـــوا مميزيــــن مـــنذ ان تأســست الكويت».

نائب الأمير عزّى أسرة الفقيد: تكبّد عناء البحر وجابَهَ مخاطره

بعث سمو نائب الأمير ولي العهد الشيخ نواف الأحمد، برقية إلى أسرة المغفور له بإذن الله تعالى أحد رجالات البلاد النوخذة عيسى بشارة، ضمنها خالص تعازي صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد، وتعازي سموه، مستذكراً مناقب الفقيد وما قدمه من إسهامات في خدمة وطنه، مشيراً إلى ما تكبده الفقيد من عناء البحر ومجابهة مخاطره في فترات الضنك التي عاشها أهل الوطن الأوفياء، سائلاً سموه المولى تعالى أن يتغمده بواسع رحمته ومغفرته ويسكنه فسيح جناته وأن يلهم أسرته الكريمة جميل الصبر وحسن العزاء.
كما بعث سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ صباح الخالد، برقية تعزية مماثلة.

رحل عن مئة وعام

• ولد الفقيد في العام 1919. وتوفي أمس عن 101 عام.
• بدأ تعليمه في مدرسة الملا عبدالعزيز قاسم حمادة.
• أكمل دراسته في المدرسة المباركية
• أوقف دراسته لرغبته في ركوب السفن الشراعية، التي تسافر الى سواحل الهند.

شهادة من الخليجيين
وقبعة من الإنكليز

يقول بشارة عن تميز البحارة الكويتيين «حتى تركهم السفن الشراعية قبل نصف قرن، اكتسب الربابنة الكويتيون الخبرة وتميزوا، وشهد لهم الخليجيون والانكليز بذلك، حيث قاموا باختبار أربعة نواخذة كويتيين في علوم البحر، وهم: حسين عبدالرحمن العسعوسي، وعبدالوهاب عيسى القطامي، ومحمد العصفور، واحمد الخشتي، وأجرت قيادة السفينة الحربية البريطانية «شورهام» لهم اختبارات حول الملاحة البحرية، ونجحوا بتميز، وحصلوا على شهادة تفوق من الاسطول البريطاني، في عام 1938. واتذكر اننا اذا تناقشنا مع الربابنة الانكليز، كانوا بعد انتهاء النقاش يرفعون لنا القبعة تحية واحتراماً، لعلمنا وخبرتنا الواسعة في هذا المجال».

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي