العقوبات تصبح لعنة على فارِضها... ليفرض الضحايا شروطَهم

إيران للأسد: لا تقلق من «قيصر» عندما تكون إسرائيل على حدودك

No Image
تصغير
تكبير
  • سورية قررت  فرْض «توازُن ردْع» 
  • الإستراتيجية السورية  لا تنفصل عن إستراتيجية  «محور المقاومة» 
  • طهران لا تستبعد  إمكانية التقارب  مع إدارةٍ أميركية جديدة  وليست مستعدة لوضع  كل خياراتها بيد روسيا 

التقى وفد عسكري إيراني برئاسة رئيس الأركان اللواء محمد باقري في سورية، الرئيس بشار الأسد ووزير دفاعه اللواء علي أيوب، لتقوية وتعزيز التعاون العسكري والدفاعي والأمني بين البلدين وتحسين القدرة الصاروخية السورية والدفاعية.
وتحمل زيارة كبار الضباط الإيرانيين العديد من الرسائل في كل الاتجاهات، إلى الأصدقاء والأعداء والحلفاء والمجتمع الدولي، لتعلن عهداً جديداً ستلعب فيه سورية دوراً أكثر أهمية في الشرق الأوسط.
ليس من الجديد بالنسبة لإيران أن تقدم صواريخ أرض - جو وأرض - أرض لسورية، وقد أعلنت إسرائيل مراراً أنها تمكّنت من تدمير العديد من هذه الصواريخ، حتى قبل نشرها من خلال مئات الهجمات على سورية طوال أعوام الحرب التسعة.


الجديد في الزيارة، هو الرسائل العديدة المرسلة لكل الأطراف المعنية:
- أولاً، إن توقيع الاتفاقية العسكرية هو رسالة مباشرة لإسرائيل بأن سورية مستعدة الآن للردّ على أي هجوم مستقبلي وانتهاك لسيادتها. علماً أنه لسنوات رفض الأسد فتح جبهة جديدة ضد إسرائيل لأن الهدف الأساسي لسورية وحلفائها كان تحرير الأرض وعدم محاربة إسرائيل لتجنب مشاركة أميركية مباشرة في أي صراع إسرائيلي - سوري.
واليوم، الرئيس دونالد ترامب أضعف من أي وقت، وهو يتعرض لهجوم من كل الأعداء وشركاء الولايات المتحدة (بما في ذلك أوروبا والأمم المتحدة) ويواجه جائحة لا يمكن السيطرة عليها وانتفاضات محلية في الداخل. وقد أعاقتْه كل هذه العوامل بينما يواجه انتخابات رئاسية جديدة في غضون أشهر قليلة. وأي مشاركة للقوات الأميركية في صراع سوري - إسرائيلي يمكن أن تؤدي إلى صواريخ تستهدف القواعد الأميركية في شمال شرقي سورية، مع عواقب وخيمة على حملة ترامب الانتخابية.
- ثانياً، لا شك في دقة صواريخ الدفاع الجوي الإيرانية «خرداد 3». إنه النظام المسؤول عن إسقاط أغلى طائرة أميركية من دون طيار «Global Hawk» في يونيو من العام الماضي.
ومع ذلك، لم يتم اختبار هذه الصواريخ حتى الآن ضد طائرات «أف - 16» الإسرائيلية، الأميركية الصنع. علاوة على ذلك، فإن لدى الدولة العبرية، القدرة على تدمير هذه الأنظمة من بعيد باستخدام صواريخ مجنّحة دقيقة أو بإطلاقها من خارج المجال الجوي السوري.
وإذا كانت حكومة دمشق تريد حقاً ردْع إسرائيل، فسيكون من الضروري توزيع العديد من أنظمة الصواريخ على أجزاء كثيرة من سورية والعديد من الرادارات لتغطية كامل الأراضي الواقعة تحت سيطرة إسرائيل.
وفي هذه الحالة، يمكن للرادارات السورية أن «ترى» حركة الطائرات الإسرائيلية قبل أن تقلع وتتبع وُجْهتها. إذا قررت سورية ردْع الهجمات، فيمكنها إسقاط طائرة إسرائيلية فوق لبنان لفرض توازن جديد للردع وقاعدة الاشتباك الخاصة بها.
وكذلك يمكن لسورية حتى أن تقصف بصواريخ أرض - أرض العديد من المنشآت العسكرية المهمة رداً على أي هجوم إسرائيلي على نظام الدفاع الإيراني.
وقد أعلن قائد في الحرس الثوري الإيراني الذي شارك في اجتماع باقري وأيوب، «أن قواعد الاشتباك تتغيّر». وكان يعني أن سورية قررت فرْض «توازُن ردْع».
لقد فرض «محور المقاومة» قواعد الاشتباك على إسرائيل في لبنان في محطات عدة بدأت منذ التسعينات. وفي مناسبات نادرة، حاولت إسرائيل كسْر هذه القاعدة، إلا أنه تم تذكيرها وإهانة الجيش الإسرائيلي بعد محاولة ضرب الضاحية الجنوبية لبيروت وبعد تدمير سيارة لحزب الله على الحدود السورية الصيف الماضي.
- ثالثاً، يقول الأسد لإسرائيل إن ادعاءها بإخراج إيران من سورية «خائب»، لأن إيران وضباط الحرس الثوري ومنظوماتها الصاروخية باقية في سورية وأن العلاقة قوية بما فيه الكفاية.
- رابعاً، كان من غير المسبوق أن يعلن وزير الدفاع السوري لوفد رسمي وبحضور وسائل الإعلام أنه «إذا كانت الإدارة الأميركية قادرة على إخضاع سورية، فإيران ومحور المقاومة، لن ينتظرا لحظة».
ومن الواضح أن دمشق تعتبر نفسها رسمياً جزءاً من «محور المقاومة»، ما يشير إلى خيارها الإستراتيجي ويخبر العالم أن السياسة السورية تتحرك تكتيكياً وإستراتيجياً في مدار «محور المقاومة»، العدو المعلن لإسرائيل والولايات المتحدة.
هذه الرسالة موجهة أيضاً إلى روسيا. إذ تقوم العلاقات السورية - الروسية على التعاون الكامل لمحاربة الإرهاب وهزيمته، رغم أن موسكو ليست جزءاً من الصراع السوري - الإيراني ضد إسرائيل والولايات المتحدة. ودمشق تخبر موسكو، حليفتها، بأن الإستراتيجية السورية لا تنفصل عن استراتيجية «محور المقاومة».
ومع ذلك، في ما يتعلق بالعديد من القضايا المهمة، فإن لروسيا علاقة قوية مع «محور المقاومة» في العديد من القضايا.
لقد استضافت إيران مناورات بحرية مع روسيا والصين في المحيط الهندي في ديسمبر الماضي، كتحذير للإدارة الأميركية للحد من ضغوطها. لكن طهران لا تستبعد إمكانية التقارب مع إدارةٍ أميركية جديدة، وهي ليست مستعدة لوضع كل خياراتها بيد روسيا ولا معاداة أميركا إلى أقصى حد على أمل تغيير الإدارة الحالية.
وفي الواقع، في أغسطس 2016 عندما سمحت الحكومة الإيرانية للقاذفات الإستراتيجية الروسية باستخدام مطار همدان (غرب) لتفجير الجهاديين في سورية، دان البرلمان الإيراني بشدة قرار الحكومة، إذ ينص الدستور على أن الدولة لا تقدم أي قاعدة عسكرية لقوة عظمى أو أي دولة أخرى: إنها مسألة سيادة.
وكذلك تعتمد موسكو على «محور المقاومة» وعلى دعمه في العديد من المجالات، لكنها لا تشارك كل أهدافه. إلا أنه عندما تريد روسيا أن تثير غضب الولايات المتحدة، فإنها تسلّم سورية وإيران أسلحة متطورة وتستخدم حق الفيتو في الأمم المتحدة ضد أي قرار أميركي يضر «محور المقاومة» منذ أن سمح الرئيس السابق ديمتري مدفيديف لحلف شمال الأطلسي بقصف ليبيا في العام 2012.
لقد أبلغت إيران، الأسد أن «قانون قيصر، لا يقلق سورية عندما يكون هناك جوهرة على حدودها، إسرائيل. إن وجود إسرائيل على حدودك يسمح لك بفعْل ما تريده وفرض أي شيء تريده».
إيران تعني أن إسرائيل تعتمد على دعم مطلق من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. لذلك، لا يمكن أن تستمر العقوبات لفترة طويلة إذا كانت سورية تهدد إسرائيل بجدية بضربات صاروخية دقيقة عند انتهاك سيادتها. وبالتالي، لم يعد يُنظر إلى وجود الدولة العبرية على أنه نقمة بل نعمة ليتحوّل التهديد الإسرائيلي إلى فرصة للضغط على المجتمع الدولي.
كان اللقاء السوري - الإيراني استراتيجياً بالفعل، حيث وُجهت رسائل في اتجاهات مهمة عدة. إن إستراتيجية التجويع الأميركية المفروضة على إيران وسورية ولبنان، تساعد السكان على التوافق مع «محور المقاومة» أكثر من أي وقت.
وكل هذا لا يمكن أن يحدث من دون أخطاء الإدارة الأميركية، ودعمها الأعمى لإسرائيل، ما يبشّر بفجر شرق أوسط جديد أكثر دينامية، حيث - حتى كجزء من «الحرب الناعمة» الأميركية - تصبح العقوبات لعنة على فارِضها ليفرض الضحايا شروطَهم.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي