رأي قلمي

كل شيء مُشرق ومُبتهج...!

تصغير
تكبير

الإحساس بالرضا والشعور بالسعادة من القضايا المُهمة في حياتنا. الشعور بالسعادة يعني شعوراً باعتدال المزاج وبالانشراح والسرور والبهجة، وهي جميعاً مشاعر ذاتية انفعالية داخلية.
الشعور بالسعادة مطلق وشخصي وضعيف الارتباط بالظروف المادية الخارجية، فقد يشعر بالسعادة الإنسان الذي يعيش في خيمة أو بيت من طين، ولا يملك الكثير من المال والمتاع، كما قد يشعر بالتعاسة مَن يملك الكثير والكثير من المال والمتاع.
لا بد من التفرقة بين الشعور بالسعادة والشعور باللذة أو النشوة الذي يأخذ طابع الموقت والعابر، والذي قد يعقبه في بعض الأحيان شعور بالكآبة، لا سيما عندما يكون مصدر اللذة محرّماً في معتقد مَن يحسّ بها.
الشعور بالرضا لا يلامس الأعماق، كما يلامسها الشعور بالسعادة، لأن الشعور بالرضا يكاد يكون نوعاً من التقدير العقلي للذات، كما أنه عبارة عن ترجمة لشعور المرء بالكفاءة الاجتماعية وشعوره بأنه لائق في نظر نفسه وفي نظر الآخرين.
المصدر الأساسي للشعور بالسعادة هو مدى ما يحقّقه المرء من المطابقة بين معتقداته وسلوكياته، فالانسجام بين المعتقد والقول والسلوك، هو أكبر مصدر لإحساس المرء بالسعادة، قال الله جلّ وعلا: «مَن عملَ صالحاً من ذكرٍ أو أنثى وهو مُؤمن فلنُحيِينّه حياةً طيبةً...».
وقد فسّر المفسرون معنى قوله (الحياة الطيبة) أي السعادة.
وتُثبت دراسات كثيرة أن الاستقامة والتدين مصدر مهم للطمأنينة والشعور بالهناء، وكان أرسطو يقول: على المرء أن يكون فاضلاً حتى يكون سعيداً.
من مصادر السعادة كذلك تمحور أنشطة الإنسان حول غاية عليا أو هدف تعاوني مشروع وقريب المنال، والناس الذين يفتقدون ذلك يشعرون بالعبثية والتفاهة، كذلك ضيق الفجوة بين الإنجازات والطموحات هو الآخر مصدر للسعادة والانشراح، كما أن العلاقات الأسرية والاجتماعية الجيّدة مصدر مهم من مصادر الهناء والأمن، حيث يتلقى المرء ما يحتاجه من الدعم الاجتماعي.
الانسجام الداخلي والخلاص من الصراعات الداخلية يسهم في الشعور بالسعادة، ولا ننسى دور الاستفاضة في الأعمال التطوعية عامة والخيرية منها خاصة على الصعيد الشخصي والاجتماعي، إذ تشكل أنشطة التعبد المختلفة ومساعدة الآخرين والتخفيف من درجة العناء الإنساني للضعفاء مصدراً لا يستهان به للإحساس بالسعادة.
أما المصدر الأساسي للإحساس بالرضا فهو المقارنة... مقارنة حالة حاضرة مع حالة سابقة، ومقارنة الإنسان لنفسه بالآخرين في العلم والقوة والشكل والعمل والدخل والكفاءة الاجتماعية... ولذا فإن الشعور بالرضا يظل دائماً نسبياً وهو أقرب إلى أن يكون أحد المنتجات الاجتماعية.
حين يقارن الإنسان بمن هو دونه يشعر بالرضا، وحين يقارن نفسه بمن هو فوقه يشعر بنوع من السخط على النفس، ولذا ورد في بعض الأحاديث التوجيه بأن ينظر المرء في أمور الآخرة من الفضائل إلى من هو فوقه حتى يتخذ منه قدوة، أما في أمور الدنيا فينظر إلى من دونه، حتى لا يزدري نعم الله - تعالى - عليه.
إنّ التمسك بالمظاهر والشكليات برأينا ما هو إلا سوى عبارة عن محاولات للتعويض عن السعادة الحقيقية التي فقدها كثير من الناس نتيجة انخفاض مستوى التزامهم، واتساع الهوّة بين ما يعتقدون وما يفعلون، كل شيء فيهم مشرق ومبتهج سوى القلب الذي تغشاه عتمة الانحراف والتقصير.

‏M.alwohaib@gmail.com
‏mona_alwohaib @

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي