No Script

مشاريعكم «فيرتشوال»! ورّونا عرض أكتافكم

تصغير
تكبير

تابعتُ بألم شديد الحسرة التي اعترت بعض الشباب أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة الخارجين من مجلس الأمة بعدما دخلوا بروح تفاؤلية عالية ظانين أنهم سيخرجون بالحلول المنشودة لمشاريعهم التي أصابتها آثار مريعة، خصوصاً في جانبي الإيجارات ورواتب العمالة بسبب الإغلاق القسري لمشاريعهم انصياعاً للقرارات الحكومية وأوامر الدولة، ليفاجأوا بما يمكن وصفه بأنه نظرة احتقارية أو دونية من بعض المسؤولين لمشاريعهم فتملّكهم شعور بالخذلان والتخلي وأنهم وقعوا في فخ كبير برعاية حكومية اسمه المشاريع الصغيرة والمتوسطة والعمل الخاص والابتعاد عن الوظيفة الحكومية الآمنة الدافئة المعبأة بالضمانات.
ليس سرّاً في الكويت أن المال والأعمال الكبرى هي بيد عوائل محدودة جداً لا تتعدى أصابع اليدين، وأحياناً اليد الواحدة، ربما تزيد قليلاً أو تقل قليلاً حسب الظروف والمعطيات ووفرة المال وأسعار النفط، ولكن يظل الواقع دوماً يؤكد نظرية (ما بهالبلد إلا هالولد)، وهذه أمثال لم يقلها الأوّلون عبثاً ولم تنتقل من جيل إلى جيل جِزافاً، بل لأنها واقع ملموس وحقيقة مشهودة فتنتقل من جيل إلى جيل لتظلّ شاهداً على التمييز الفئوي والطبقي والاستئثاري للمال والفرص في هذا البلد.
وليس سرّاً أن دعم المشاريع الصغيرة بدأ كقرار سياسي وليس اقتصادياً حيث كانت الرغبة في احتواء الشباب الطموحين وتوفير سبل العمل الخاص لهم بدلاً من انخراطهم في العمل السياسي وانسياقهم لطروحات للمعارضة السياسية. وأن هذه القرارات اتخذت في زمن الوفرة المالية وارتفاع أسعار النفط، واليوم تراجع الحماس له لتراجع المعارضة ولتراجع النفط.


وليس سرّاً أن نعرف أن التقاء المسؤولين والنواب في الكويت لم يكن يوماً بالأمر العسير، بل كان ومازال وسيظل سهلاً بسبب التركيبة الاجتماعية الكويتية الفريدة من نوعها، ولكن العسير هو أن تخرج من هذه اللقاءات بنتائج ملموسة إذا لم تكن ضمن دائرة معيّنة، وبالتالي فإن لقاءاتك السهلة مع المسؤولين لن تكون أكثر من «فشة خلق» و... يله ورّينا «عرض كتافك» وأنت طالع!
وليس سرّاً القول إن أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة لم يلجأوا إليكم بحثاً عن المال والقروض، بل بحثاً عن معالجة مسألتين إن تحققتا يمكنهم المضي قدماً في مشاريعهم، أولاهما الإيجارات التي تتراكم ولا حلول واضحة لها، وثانيهما الرواتب التي يفترض بالعاملين لديهم أن يتسلموها ولكنهم منعوا من العمل وانقطعت بالتالي أرزاقهم وأرزاق أصحاب الأعمال معهم!
في ظل هذه الظروف كان الشباب يتوقّعون أن يجدوا حلولاً، لا أن يسمعوا هنا أو هناك أسئلة او ملاحظات سلبية مؤداها أن وجودهم أصلاً كمشاريع لا فائدة له ولا تنظر إليهم الدولة كاقتصاد رديف قادر أن يساهم في الدورة الاقتصادية.
لدينا في الكويت «شوية» مسؤولين ووزراء خبراتهم في الحياة أصلاً تبدو افتراضية «فيرتشوال» كما هي الموضة الآن، لم يخوضوا في حياتهم التجارب التي يخوضها الإنسان العادي، لا شال سلندر غاز في دبة سيارته، ولا بدل تاير مبنچر، ولا يوم بدل لمبة محروقة في صالة بيتهم، ولا فك بلاك كهرباء وصلّحه! مثل هؤلاء إن كانوا وزراء أو نواباً او مسؤولين، من الطبيعي أن يطرحوا في الجوائح طرح ماري انطوانيت ويتساءلوا لماذا لا تأكلون الكعك إذا لم تجدوا الخبز؟! ومن الطبيعي بالتالي ألا يفهموا معاناة أصحاب المشاريع الصغيرة وتعثرهم الذي فرض عليهم قسراً، لينتهي بهم المطاف أن يجدوا اليوم بشكل غير مباشر حثاً على إغلاق مشاريعهم!
«مشاريعكم أكذوبة... ماكو قيمة مضافة ولا إنتاجية لهذه المشاريع، فلماذا تدعمها الدولة حتى لو كانت قرارات الدولة سبباً في سقوطها؟»... وهذه أسئلة جميلة أيها الوزراء وأيها المسؤولون وأيها المحتقرون لهذه المشروعات، ولكن قبل أن تسألوا أصحاب المشاريع ممن صدقوا أكذوبة القطاع الخاص اسألوا أنفسكم أنتم عن أكاذيب أخرى، أين أكذوبة «صنع في الكويت» التي أطلقت في الثمانينات، وأين أكذوبة «الكويت خضراء»، وأين أكذوبة «الحكومة الإلكترونية»، وأين أكذوبة «الاكتفاء الذاتي»، وأين أكذوبة «المخطط الهيكلي»، وأين أكذوبة «مكافحة الفساد»، وأين أكذوبة «دولة المؤسسات»؟، وأين أكذوبة... «بطلت... ماني قايلها»، وأين، وأين، لنكتشف أننا في فيلم كبير ونحن مجرد كومبارس فيه!
ربما تسألونهم: أين الصناعة يا شباب، وأين القيمة المضافة وليش مشاريعكم كوكيز ونيغتس وخرابيط؟
وهذا التساؤل جميل جداً، ولكن يا حكومة ويا نواب ويا مسؤولون أجيبونا أنتم أولاً قبل أن تسألوهم أو تحتقروا مشروعاتهم:
ألا توجد مثلها في دول العالم؟ وهل وفّرتم أنتم الأراضي الصناعية بعدالة للراغبين في الصناعة وخلق القيمة المضافة؟ وهل وفّرتم سبل التمويل والتسهيلات للجادين منهم؟ وهل وفرتم حماية لهذه المنتجات المحلية التي تحارب في الكويت؟ وهل ساعدتموهم في تحقيق الاشتراطات البيئية التي صارت مذبحاً تنحر على قربانه مشاريع صناعية صغيرة كانت موجودة لسنوات وكانت واعدة في يوم من الأيام ولكنها انتهت اليوم بسبب هذه القيود؟
أجيبونا، هل الشاب الراغب في فتح معمل أو مصنع صغير سيقدر على ذلك إذا لم يكن ضمن دائرة معيّنة أو كان تابعاً لها؟ هل هناك أمل «لغير هالولد في هالبلد»؟
... قصوا على روحكم وقولوا «إي ويقدر»، لكن احنا عارفين الصج وين... والكذب وين.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي