فرضت إسرائيل الحصار على قطاع غزة من وقت إعلان «حماس» فرض سيطرتها عليه، ما اعتبر خروجاً على الحكومة الفلسطينية الشرعية. الحصار بدأ من طرف إسرائيل، وحبّة حبّة أصبحت الحكومة الفلسطينية تقف في صف إسرائيل ضد «حماس»، لاكتساب رضا النفوذ الدولي المنحاز لإسرائيل، ومنها كسر شوكة «حماس» التي تعتبر الحركة المنافسة الأكبر. وحبّة حبّة برضو دخلت الدول العربية، وللأسف على الخط. ولما وصلوا إلى مفترق الطرق وقفوا مع الصف الذي تقف فيه إسرائيل والحكومة الفلسطينية ضد «حماس» ودخلوا في المنافسات على لقب أفضل أداة في يد القوى العظمى.
اشتد الحصار على أبناء غزة، وبدأت آثاره في الظهور... وفيات بالمئات بسبب سوء التغذية ونقصان الدواء، حتى زادت احتمالات الإصابة بالأوبئة والأمراض. مرت الأعياد عليهم كضيف ثقيل، تظاهروا بالاحتفال، واشتد الحصار أكثر وأكثر، لتتحول غزة إلى أكبر سجن في العالم. المنظمات الحقوقية في كل مكان كانت تتحرك وتستخدم نفوذها لفك الحصار وإدخال المساعدات، وأكبر مثال على ذلك مجموعة السفن التي توجهت من قبرص، وعلى متنها ناشطون حقوقيون وأعضاء برلمان وصحافيون من أكثر من 16 دولة مختلفة، بالإضافة إلى المساعدات كانا غالبيتهم أوروبيين، وبعضهم يهود. ورغم التهديدات الإسرائيلية كلها التي وصلت الى حد التهديد بقصف السفن وإغراقها دخلت هذه السفن ووصلت إلى غزة رغم أنف الجميع، وتبعتها أخواتها السفن، في ضربة أخرى تحت الحزام للحكومات العربية، والتي لم تكتفِ بدس رؤوسها في الحفر، بل مثل ما قلت لكم وجدوا أنفسهم يقفون في صف إسرائيل ويشاركون في الحصار.
مع اشتداد الحصار كسرت «حماس» معاهدة وقف إطلاق النار، وانطلقت صواريخ «القسام» و«غراد» من جديد لتثير الرعب في قلوب الإسرائيليين. وأخذت إسرائيل تزبد وترعد وتتوعد، والمسؤولون في «حماس» لم ينفوا كسر المعاهدة، لكنهم قالوا إن من كسر المعاهدة هم مجموعة «فتح» الجهة المناوئة لـ«حماس» لقرب انتهاء ولاية مسؤولها - يعني علي وعلى أعدائي - وليسوا عناصر «حماس»، وإسرائيل تقول ما علينا منكم يا «حماس»... الصواريخ انطلقت من عندكم ويا ويلكم.
وبعيداً عن هذا وذاك لو سلمنا جدلاً أن «حماس» فعلاً هي من أطلقت الصواريخ وكسرت المعاهدة يا أخي أنا تحت الحصار وقاعد أموت. طيب أموت من الرصاص وأحارب وإلا أموت من الجوع... ولو افترضنا أيضاً أن «حماس» لم تطلق الصواريخ فعلاً، وتأكدت إسرائيل من ذلك، لم يكن ذلك ليمنع إسرائيل من ابتكار سبب آخر لضرب غزة، وإذا لم تجد ستضربهم من دون سبب، ما يعني أن إسرائيل ناوية الحرب في الأحوال كلها، والدليل الحصار. إسرائيل ما حاصرت إلا وهي ناوية الحرب، وانظر إلى الحروب كلها التي حصلت حديثاً وستجد أن الحصار دائماً ما يسبق التدخل العسكري، فلا يجينا أحد من أصحاب الأعمدة السوداء ويفترض أن «حماس» لو لم تطلق الصواريخ لعاشت غزة بسلام... يا عمي الحرب من العام 1948 والمجازر التي ارتكبتها إسرائيل في حق الشيوخ والأطفال والنساء أكثر من أن تحصى.
موقف العرب إلى الآن يتراوح بين لوم «حماس» والمطالبة بالتهدئة من دون أي مبادرات، ما يعني ما فيش حدا، ولا عزاء لأبطال غزة المجاهدين الذين ضربوا أروع الأمثلة في الجهاد والاستبسال، والدول العربية في موقف المتفرج الضعيف تسعى إلى استصدار قرار لوقف إسرائيل عن المجازر، وما علمت أن إسرائيل هي الخصم والحكم. وللأسف لن تركع إسرائيل لأي ناعق إلا بعد أن تنفّذ مخططها في غزة بالكامل، وهو اغتيال أكبر عدد من قادة «حماس» البارزين، وتدمير البنية العسكرية والإدارية لـ«حماس»، وفي الطريق يدمرون البنية التحتية لغزة، يعني «زلقة... بطيحة»، وكذلك إرهاب المدنيين من باب قرصة الأذن عشان لا يناصرون «حماس» مرة ثانية. وفي هذه الطريقة إسرائيل تريّح راسها من «حماس» وخرابيط «حماس» لمدة تتناسب طردياً مع درجة إيغالها لتحقيق هذا الهدف، وعندما ينتهي ذلك يأتي القرار ويفرح العرب بعد خراب غزة، ويتفاخرون بإنجازاتهم، وهات من الأغاني والقصائد. والله المستعان.
لا تنسوا غزة وأهلها من دعائكم، ولا تنسوا أن تتصدقوا أنتم وأطفالكم وزوجاتكم لأهالي غزة، حتى يدفع الله عنكم وعن أبنائكم بلاء الدنيا ومصائبها.
حكمة اليوم
لغة السيوف تحل كل قضية
فدع الكلام لجاهل يتشدق
فتشت مابين السطور فلم أجد
أن الأسود بصيدها تتصدق
راجح سعد البوص
كاتب وأكاديمي كويتي
[email protected]