غزة رمز العزة، والتي تعد ثاني أكبر مدينة فلسطينية بعد القدس، وفيها المسجد العمري الكبير، والذي يعد أقدم وأعرق مسجد في غزة، والذي ينسب إلى سيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) وتبلغ مساحته نحو 4100 متر مربع ومساحة فنائه 1190 متراً مربعاً.
في هذا المسجد الكبير مكتبة مهمة وضخمة فيها العديد من المخطوطات في مختلف الفنون والعلوم، والتي ترجع إلى الظاهر بيبرس، ويقال إن فيها أكثر من 20 ألف كتاب و132 مخطوطة ما بين مصنف كبير ورسالة صغيرة.
دخلت غزة تحت حكم الخلافة العثمانية الإسلامية في القرن السادس عشر، وبقيت تحت حكمهم حتى عام 1917 عندما استولت عليها القوات البريطانية خلال الحرب العالمية الأولى بعد معارك ثلاث ضارية راح ضحيتها الآلاف من كلا الجانبين. ويُذكر أنه في الحرب العالمية الأولى، عندما صمد لواء واحد من الجيش العثماني مؤلف من أقل من ثلاثة آلاف جندي فلسطيني في وجه فرقتين بريطانيتين أمام غزة وكبدهما خسائر فادحة وأرغمهما على التقهقر حتى العريش عام 1917، أصدر أحمد جمال باشا القائد التركي، الذي اشتهر بخصومته للعرب، بياناً رسمياً أشاد فيه بالشجاعة الفذة التي أبداها أولئك الجنود الفلسطينيون في غزة أمام أضعاف أضعافهم من جنود الأعداء، وأنها بسالة خارقة تذكر بالشجاعة التي أبداها آباؤهم من قبل عندما حموا هذه البقاع المقدسة بقيادة صلاح الدين الأيوبي. واليوم وحتى تاريخ هذا المقال يصل عدد شهدائنا إلى أكثر من 820 شهيداً وعدد الجرحى إلى أكثر من 3300 جريح.
إن اليهود يقاتلون بالتوراة ونحن لا نقاتل بالقرآن. ومن ذلك يستمدون قوتهم على أنهم الشعب الذي يسود، ويحكم أدمغتهم فكر توراتي ثقافي عنصري قائم على شعار دائم «شعب الله المختار»، ففي التوراة «امحقوهم عن آخرهم، أبيدوا حرثهم ونساءهم».
أما نحن فلدينا مرجعيتنا التي نؤمن بها ونصدقها ولكننا لا نعتبر قال تعالى: «وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا(4)»، سورة الإسراء.
لقد قتل اليهود أنبياء الله وسفكوا دماء علمائهم وأحبارهم فكيف يتورعون عن قتل الفلسطينيين؟ بل إنهم حاولوا قتل سيدنا عيسى (عليه الصلاة والسلام) ولكن الله كتب له النجاة «وقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً»، سورة النساء آية 157. كما أن اليهود يقومون ببناء المستوطنات والقرى والجدران الضخمة لجبنهم وخوفهم من الحرب المفتوحة «وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ»، سورة البقرة آية 96. «لاَ يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاَّ فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَآءِ جُدُرٍ»، سورة الحشر آية 14.
وقد شاهدنا قبل أيام مظاهرات المئات منهم في أميركا ضد العدوان الإسرائيلي ويرددون أن التوراة ترفض خروج الفلسطينيين، فورد في القرآن الكريم «بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ». فاليهود في فراق وشقاق وعداوة وبغضاء «وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ والبغضاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»، سورة المائدة آية 64.
أما العالم الحر المتحضر فإلى الآن لم يدن القتل الهمجي اليهودي إدانة واضحة تدل على الحياد والموضوعية.
والمفروض أن يقوم مجلس الأمن بإدانة الجرائم اليهودية أولاً، حسب مشاهدات المعركة التي تظهر بوضوح القتل للأبرياء والمدنيين وتدمير المقدسات المشرفة. والظاهر أن «حماس» رفضت المبادرة، لأنها لا تلبي الحد الأدنى من مطالبها وقالت إن قرار مجلس الأمن رقم 1860 لا يعنيها. وما زاد الطين بلة أن أميركا امتنعت عن التصويت على قرار مجلس الأمن الذي قرر وقف إطلاق النار.
يشهد الله والتاريخ أن «حماس» قد وصلت إلى السلطة عن طريق انتخابات حرة ديموقراطية نزيهة عام 2006 كانت نتيجتها رفض الولايات المتحدة وإسرائيل وتحريش عباس وأركان «فتح» للانقلاب عليهم، وتضييق الأنظمة العربية عليهم، ومنع المساعدات المالية التي كانت ترسل أصلاً إلى السلطة المنتخبة، وتبع ذلك مصادمات بين «حماس» و«فتح» أثخنت جراح أبناء الوطن الواحد تحت إشراف أميركا وإسرائيل. والسؤال: ما الدور الذي يمكن أن نقوم به اليوم كمسلمين؟
د. مبارك الذروة
كاتب وأكاديمي كويتي
[email protected]