كتاب الله تعالى منهج حياتنا نعيش مع ألفاظه ونتدبر كلماته ونتفكر في تناسق آياته، وما فيها من عجائب وأحكام دقيقة، لا يشك أحد في عظمة القرآن وقوة تأثيره على القلب وتحريكه للعقل؛ فمن قرأ آية من القرآن الكريم بتأمل شعر بهدوء النفس وراحة البال وتفتُّح الذهن ولا ينال هذا إلا من تعلق قلبه وعقله بمحتواه، لا من ختمه كاملاً بقلب متعلق بمشاغل الدنيا.
أقرب مثال شهر رمضان الذي تم فيه القارئ ختمة أو ختمات للقرآن؛ فهل كنا نقرأ كلام الله تعالى بحضور القلب وتأمل ألفاظه ومعرفة معانيه أم أنه مجرد تلفظ دون وقفات تَفَكُّر لما في الآيات من إعجاز وأحكام؟! كثرة قراءة القرآن وتكرار الختمة تأثيرها الحقيقي على النفس مع التأني العقلي والحضور القلبي، يقول الإمام أبو حامد الغزالي: «لا يرام صلاح قلب ولا إصلاح نفس إلا بالقرآن، ولا يقام ليل حق القيام إلا بالقرآن، ولا يوجد كتاب لو قرأته كنت أقرب إلى ربك أعظم من القرآن، ولا شفاء لأرواح الموحدين وقلوب العابدين إلا بالقرآن» انتهى.
فهل عشنا هذه الأجواء مع أعظم كتاب؟! أم أن المعتاد اليوم هو السرعة لإتمام الختمة! يقول تعالى: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ)، هذا خطاب موجه لكل عاقل كي يتدبر ويجمع بين التلاوة والتدبر والتفسير، ولعلنا نعقل ذلك ونسير على بعض ما سار عليه الأولون مع الفارق الكبير، حيث كان قدماء الأئمة والصالحون يكثرون من التلاوة والختمات، ويجعلون لهم ختمات خاصة تجمع بين التلاوة والتفسير، كان أبو العباس بن عطاء يختم القرآن كثيراً، فإذا كان شهر رمضان أكثَر من الختمات، وكان له ختمة يتدبر فيها الآيات ويستنبط منها المعاني والأحكام؛ فمكث فيها سبع عشرة سنة ومات ولم يختمها، ومن أقوال السلف الصالح: «كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن»، ولا نقارن أنفسنا بما كان عليه الأولياء ولكن نجتهد ونعوّد النفس على تلاوة القرآن، بل نلازم قراءته ونجعله رفيقاً مدى الحياة نتلوه ونطلع على تفاسيره باعتدال وخطوات وإن كانت بطيئة لكنها تجعلنا نتفكر في أسراره ونتعلم ما جاء فيه من أحكام؛ فهو الكتاب الشامل لكل نواحي الحياة والمنهج الذي ينظم سائر أمورنا؛ فلا صلاح لأمتنا إلا بالتمسك به.
aalsenan@hotmail.com
aaalsenan @