رؤية العتيقي ... والمخزون الإستراتيجي

تصغير
تكبير

مع تفشي فيروس كورونا أصبحت دول العالم - بلا استثناء - تعاني أزمات معقدة ومركبة، تفوق في وقعها وتأثيرها أشد الأزمات التي مر بها العالم، سواء الأزمة الاقتصادية في 2008، أو أزمة الكساد الكبير عام 1929، خصوصاً ما يتعلق بجوانب الصحة والغذاء والاقتصاد.
وكان من اللافت تهافت الناس على الشراء بدافع الخوف من عدم تمكنهم من الحصول على احتياجاتهم الأساسية.
كل ذلك دفع ثلاث منظمات عالمية (منظمة الأغذية والزراعة ومنظمة الصحة ومنظمة التجارة) إلى القول: إن «الغموض بشأن توافر الغذاء يمكن أن يتسبب في موجة قيود على التصدير»، قد تؤدي إلى «نقص في السوق العالمي»، إما نتيجة تقييد بعض الحكومات تدفق المواد الغذائية الأساسية لتضمن لشعوبها الاكتفاء. وإما نتيجة اضطرابات في الإمدادات الغذائية، بسبب تأخر الحاويات على الحدود. وإما بسبب تباطؤ حركة العاملين في قطاعي الزراعة والغذاء.


وليست الكويت بعيدة عن هذا الشأن، فمثلها مثل كل دول العالم... لاحظنا حركة إقبال على الشراء وغياب بعض السلع، وليست أزمة الكمامات، أو البصل بغائبة عن كل ذي عينين!
هذه التداعيات طرحت علامات استفهام عن القصور الحاصل في المجال الزراعي، وهل يوجد في الإمكان أفضل مما هو كائن، وهل المساحة الزراعية في البلاد مُستَغلَّة الاستغلال الأمثل، وهل أصحاب الحيازات الزراعية يستغلونها بالفعل، أما أن شبهات المجاملة والتنفيع تطل برائحتها، وهل الحكومة تقوم بدورها على الوجه الأكمل... إلخ؟
كل هذه الأسئلة جعلتني أستعيد مقال نشرته مجلة «المزارع»، قبل أكثر من عشرين عاماً، مع المزارع القدير محمد سالم العتيقي - يرحمه الله - إذ طرح العتيقي مجموعة كبيرة من التساؤلات - بوصفه مزارعاً - كأنه كان يستشرف المستقبل ويشخص وضعنا الحالي، تساءل عن التخطيط والتنمية الزراعية، وعن حاجات السوق المستقبلية، وعن المشاريع الحكومية الداعمة لقطاعات الألبان والدواجن والمحاصيل وإنتاج اللحوم، وعن السلع الخارجية المدعومة والمنافِسة، وعن الدعم الخارجي للسلع المستوردة، ومقابله من الدعم المحلي للمنتج الوطني، وعن التراخيص الزراعية التي يجب أن تُمنح للمزارعين، والحيازات التي يجب أن تُسحَب من أصحابها في حال لم يلتزموا بشروط الانتفاع!
وأكد العتيقي أن نجاح خطة التنمية الزراعية سيتوقف على تعاون ثماني جهات، ذكرها بالاسم، وهي: وزارتا التجارة والتخطيط والموانئ والجمارك والجامعة والبرلمان ومؤسسات البحث العلمي والاتحادات الزراعية وهيئة الزراعة.
واقترح العتيقي - يومئذ - إنشاء جهاز ينسق بين هذه الجهات في ما يتعلق بخطة التنمية الزراعية.
ورغم هذه التساؤلات التي طُرِحت قبل عشرين عاماً، وما أثارته من هواجس، وما طرحته من أفكار تدور في أذهان أهل الميدان «الزراعي»، فإن الخلل يبدو واضحاً، وما زال الوضع - تقريباً - على ما هو عليه منذ أفصح العم سالم عن هواجسه وطرح تساؤلاته: لم نبرح مكاننا، وغياب للدولة عن تحقيق هذا التناغم والتنسيق، وقصور في الإحصاءات المتعلقة بالسكان والزيادة السكانية، وعجز عن تحديد حاجة السوق من السلع المنتجة محلياً، وعزوف عن الالتحاق بهذا الجسم الاستراتيجي في بناء الدول، إما نتيجة خلل في المفاهيم، وإما لقصور في خطط التعليم التي لا توفر تخصصات - في هذا المجال - وفق منهج عملي منتج يدعم الاستراتيجية الزراعية!
إننا في حاجة إلى إطلاق «إستراتيجية وطنية زراعية» تهيئ مناخ الاستثمار الزراعي وتستغل المعطيات المتاحة، وتعظم الاستفادة من الإمكانات التكنولوجية والعلمية والاتفاقيات الدولية والإقليمية في هذا المجال، وتدعم المزارعين الجادين، وتزيد فرص عمل الشباب وتعزز مساهماتهم في تحسين الميزان التجاري، وتأمين قدر كبير من أمننا الغذائي.
إننا الآن ونحن قاب قوسين أو أدنى من تصنيف جديد للعالم (ما قبل كورونا وما بعد كورونا)، نرى العالم مُقدِماً على مخاطر كبيرة، ونذر أزمات تتلاحق، ومؤشرات من عدم الاستقرار تتكثف وتتزايد، ولن نرضى من الحكومة ومجلس الأمة بغير «إستراتيجية وطنية زراعية» قابلة للحياة والتنفيذ، وفق برنامج زمني محدد، وآلية رقابة ومحاسبة للجميع، تُطبَّق بلا تردد أو تسويف، أو وضع العقبات في طريقها، ولن نغفر للسلطتين أبداً إذا ما ضيعا هذه الفرصة السانحة لإعادة ترتيب البيت في كل أركانه، وإطلاق قاطرة التنمية في مجال غابت عنه أبصارنا وعقولنا كثيراً، من أجل ترسيخ أمن هذا الوطن واستقراره، وسنراقب جيداً، ونحاسب من قصروا أو فرطوا في تعزيز استقرار الكويت وازدهارها!

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي