خواطر صعلوك

ماذا نفعل مع «أبو عبدالعزيز»؟

تصغير
تكبير

في الأيام العادية كان أبوعبدالعزيز عندما يعود من العمل، يدخل صالة بيته، يرمي الجريدة ومفتاح البيت وهاتفه على طاولة المدخل، ثم ينزع غترته وعقاله ودشداشته، ويرميها أينما سقطت، يجلس على «القنفة» ويتأمل الآية القرآنية «والله يَعلَمُ وَأنتُمْ لا تَعلَمُونَ»، المكتوبة بالخط الديواني على رقعة من الجلد داخل إطار كبير مُذّهب ومعلّق على الجدار فوق التلفزيون، ثم يأخذ شهيق تنفس، وكأنه غطاس ويسند ظهره بكل ما أوتي من زفير، ثم يأخذ نفساً قصيراً ويرفع صوته:
- الغدا يا أم عزوز.
ثم يغفو حتى تضع أم عبدالعزيز آخر صحن... تُوقظه... يأكل في صمت بين أبنائه الأربعة... ثم يقول:
- يعطيج العافية... تسلم ايدج... ثم ينصرف للنوم.
كان هذا ما يحدث قبل كورونا... أما الآن فإنه يجلس طوال النهار والليل في صالة البيت وحيداً في مواجهة 42 بوصة بنظام صوت حديث، وأمامه الشاي والدلة والتمر والريموت كنترول، وقد لاحظ للتو أن هناك عيباً مصنعياً في «القنفات» التي يجلس عليها، والتي اشتراها منذ ستة أشهر وهو أن المسند الأيمن للجالس أمام التلفزيون غير موجود، وعندما استفسر من أم عبدالعزيز عن ذلك قالت له وهي في المطبخ:
- موضة... ولكنك لم تكن تلاحظ.
سيتقاعد أبوعبدالعزيز السنة المقبلة، وقد اعتبر أن هذه الإجازة بسبب إجراءات كورونا ما هي إلا هدية من رب السماء على تفانيه في العمل طوال السنوات الماضية، أما أم عبدالعزيز فقد أبدت قلقها لابنها الكبير عندما رأت أبوعبدالعزيز يكلم نفسه أمام التلفزيون، ثم أضافت:
- لقد فتح له حساباً في تويتر ويريد أن ينشر آراءه!
وقف عبدالعزيز وهو يحاول أن يبلع ريقه، حيث يحتاج إلى جمع شتات فكره عند هذه الانعطافة المفاجئة للأحداث في مسيرة والده.
يأتي صوت المقابلة الصحافية مع المتحدث، وهو يوضح أعداد المصابين والمتوفين ومن تشافى... ثم يتبعه صوت أبوعبدالعزيز وهو يصرخ على التلفاز:
- ... أنتم لا تقولون الحقيقة.
تضع أم عبدالعزيز بعض الخضرة في الثلاجة، وتهز رأسها بابتسامة تشبه الورع والرضى بالقضاء والقدر... ويفهم عبدالعزيز من هذه الحركة أن أمه اعتادت على هذا الأمر... اعتدلت أم عبدالعزيز ثم نظرت في عين ابنها وقالت وهي تغلق باب الثلاجة:
- ليس هذا فقط... إنه يُكذّب كل الأخبار، ويعتقد أن فيروس كورونا مؤامرة، وفي الفترة الأخيرة أصبح يُكذّب كل شيء... كل شيء.
همست بهدوء وببطء:
- أمس ونحن نشاهد برنامجاً للطبخ وأثناء شرح الشيف لمقادير كيفية عمل «قرص عقيلي»... قفز من الكرسي وهو يصرخ... كذاب، كذاب، هذه ليست مقادير، هذا تنفيع لشركات الزعفران.
وقف عبدالعزيز مشدوهاً ومبتسماً في ذات الوقت، تمتم بكلام غير مفهوم ثم بدأت ابتسامته تتلاشى، خرج من المطبخ وهو يفكر ما العمل في حالة قرر أبوه أن ينشر آراءه في تويتر!
ولوهلة تخيل الابن ماذا لو نشر والده آراءه في تويتر... وهذه الوهلة من الخيال كانت كفيلة بأن شعر عبدالعزيز أنه سيكون وحيداً في صراعاته مع المغردين والمهرجين الاجتماعيين في تويتر، ومع الصحافة والصحافيين المقيتين، بل وضد كل صداقاته الرقمية أيضاً، وربما تأتيه اتصالات من «ربع» الديوانية، وفي نهاية الأمر سقط عبدالعزيز على فراشه... وغط في نوم عميق.
دخل أبو عبدالعزيز المطبخ وطلب من زوجته ألا توقظه من النوم، إلا عندما يستيقظ وحده.
اتصل بي عبدالعزيز في اليوم التالي، وقال لي:
- ما العمل؟
قلت له:
- سأعرض الأمر على القراء.
أغلق الخط في وجهي بعد أن قال لي:
- ما منك فايدة.

@moh1alatwan

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي