في أيام الإمبراطورية الرومانية عمد قادتها إلى ربط جميع المدن فيها بطريق تصل نهايته إلى العاصمة روما، حتى أصبحت مقولة «كل الطرق تؤدي إلى روما» حقيقة، وأصبحت الجملة مثلا يستخدمه البشر كثيرا لمثل هذه المواقف، عندما يكون رجل أو مكان مرجعا للكثير من البشر. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن: كم طريقا تؤدي إلى روما اليوم؟
فإيطاليا التي تعيش اليوم كابوساً رهيباً، لن تخرج من وضعها إلا على واقع جديد يختلف عما كانت عليه قبل شهرين، ففيروس كورونا المستجد عاث فيها فسادا، وتركها بلدا منكوبا يصحو على جنائز ويبيت على وفيات، حتى سجلت أعلى نسبة وفيات في العالم بعدما تجاوز الرقم 16 ألف وفاة، في ما تجاوز عدد الإصابات بالفيروس 121 ألف مصاب، وقد تركتها أوروبا «المتهالكة» وحدها تواجه قدرها، رغم أن دول القارة لم تكن بمنأى عن الفيروس وتداعياته، ولكنها لم تصل إلى مرحلة النكبة الإيطالية، وهو واقع دفع سياسيين وبرلمانيين إيطاليين إلى إنزال علم الاتحاد الأوروبي ورفع علم إيطاليا مكانه، في رسالة قوية، إلى ما سيحدث بعد تعافي العالم من الفيروس، والواقع الذي سينشأ. ففيروس كورونا وجه ضربة قاضية إلى الاتحاد الأوروبي الذي كان في حقيقته «نمراً من ورق» وها هو انهار مع أول أزمة يواجهها في تاريخه منذ تأسيسه، ولتدق إحدى الدول القوية والفاعلة فيه مسماراً في نعشه، ليكون أبرز ضحايا الفيروس، كما كانت الغطرسة الأميركية الضحية البارزة الثانية فيه.
فإيطاليا عندما طلبت المساعدة، لم تجد مَنْ يقدم لها ذلك إلا مَنْ كان مصنفاً عند دول الاتحاد بـ«العدو» وهما دولتان بعيدتان عن الاتحاد، تركيا التي تركوها عشرات السنين على بابهم تستجدي الدخول إلى الاتحاد ويرفضها الجميع، وروسيا العدو التقليدي لأوروبا الغربية وأميركا، بينما الدول الأعضاء في الاتحاد انشغلت بنفسها وتركت روما تستجر ألماً ومصيبتها لوحدها، وتدفن ضحاياها بلا عزاء ولا معزين، حتى لحقتها في النكبة إسبانيا وتقترب منهما ألمانيا وفرنسا، وهذه الدول الأقوى في الاتحاد الأوروبي. لذلك فإن أول ملامح العالم التي تبدو لما بعد فيروس كورونا، سيتمثل في أوروبا بلا اتحاد، وعالم متعدد الأقطاب، وهنا التغيير الثاني.