«كورونا» يحرق النفط
- - سعر البرميل الكويتي يعود 19عاماً إلى الوراء
- - السعودية تدعو إلى اجتماع عاجل
- - توقّع ترامب بخفض الإنتاج يعيد التوازن للأسعار
- الشطي: مؤثر السوق الرئيس ليس المعروض بل الفيروس
- الكوح: الكويت والسعودية وروسيا أطول نفساً من منتجي «الصخري»
عادت أسعار النفط يوم الأربعاء الماضي 19 عاماً إلى الوراء، عندما بلغ سعر البرميل وقتها 16.62 دولار وتحديداً في 6 ديسمبر 2001، قبل أن تعدل الأسواق العالمية أسعارها أمس وتقفز أكثر من 30 في المئة، بعدما قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب إنه تحدث إلى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
وبعد إعلان ترامب توقعه خفض الرياض وموسكو إنتاج النفط نحو 15 مليون برميل، مع إبداء كلا البلدين استعدادهما لإبرام اتفاق، إضافة إلى دعوة السعودية إلى عقد اجتماع طارئ لمنتجي النفط من «أوبك» وخارجها بهدف التوصل إلى اتفاق نفطي عادل لجلب الاستقرار إلى سوق الخام، نقلت «وول ستريت جورنال» عن مصادر أن الرياض تدرس خفض إنتاجها إلى أقل من 9 ملايين برميل يومياً، إذا انضم آخرون إلى جهود إعادة الاستقرار لأسعار النفط.
وأثناء هذه الأخبار الإيجابية عن التفاهم السعودي الروسي، ارتفعت العقود الآجلة لخام برنت، أمس، 33 في المئة إلى 32.78 دولار للبرميل، في حين زاد برميل الخام الأميركي 33 في المئة إلى 26.93 دولار.
وعموماً تدفع أسعار النفط غير المستقرة بسبب وضع السوق النفطية الذي يمر بمرحلة حرجة جداً، للحديث حول الخسائر المالية والاقتصادية خصوصا بالنسبة للدول المنتجة والمعتمدة في عوائدها على النفط ستكون كبيرة إذا ما استمرت الأسعار بوضعها الحالي، وما إذا كانت أسعار باتت قريبة من تكلفة الانتاج اما لا تزال بعيدة.ولعل ما يذكي السؤال في هذا الخصوص تراجع أسعار الخام الدولية بما يزيد على 50 في المئة لتصل إلى أقل من 26 دولاراً للبرميل منذ 6 مارس الماضي. حيث جاء ذلك بعد أن فشلت منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) بقيادة السعودية في التوصل إلى اتفاق مع روسيا التي تقود المنتجين غير الأعضاء بالمنظمة على سياسة انتاج مشتركة رداً على التراجع الحاد في الطلب على الوقود والناجم عن انتشار «كورونا».
وسجلت أسعار النفط تراجعات حادة أول من أمس بعد أن هوى سعر البرميل 30 في المئة في يوم واحد، ما زاد المخاوف على مسار الأسواق في الفترة القريبة المقبلة، لا سيما إذا استمرت الاضطرابات التي تعاني منها السوق البترولية الناتجة عن الخلاف الروسي ـ السعودي حول تخفيض الإنتاج قائماً، وعن أوضاع الاقتصاد العالمي الذي يواجه تعقيدات واسعة بسبب أزمة كورونا.
وحسب مصادر تبلغ تكلفة الإنتاج المقدّرة في الكويت بين 4 و5 دولارات، ما يعني محاسبياً أنه لا يزال أمام الكويت القدرة على تحقيق هامش ربح بين سعر البرميل عند أدنى نزول والمقدر حتى أول أمس بـ16.86 دولار، وتكلفته، بنحو 11 دولاراً.
وإلى ذلك، أفادت وكالة الطاقة الدولية بأن النفط عند سعر25 دولاراً للبرميل سيتسبب في معاناة بعض موردي الغاز العالميين لكي يغطوا تكاليف التشغيل، وكساد السوق الفورية للغاز لن يقدم أي عون، مبينة أن انخفاض أسعار النفط لفترة ممتدة سيؤثر على فرص التحول إلى مصادر للطاقة النظيفة مثل الغاز الطبيعي.
وأضافت الوكالة في تقرير أن الأزمة العالمية الناتجة عن جائحة كورونا ستمتد تداعياتها عبر سلاسل إمداد النفط العالمية وتصل إلى أجزاء أخرى من قطاع الطاقة، موضحة أن هناك 5 ملايين برميل من النفط المستخرج يومياً لا تجتذب علاوات سعرية كافية لتعويض تكاليف استخراجها من الحقول.
وأشارت إلى أن الأسعار المتاحة للمنتجين في غرب كندا تراجعت إلى خانة الآحاد، في حين ظهرت حالات لأسعار سلبية في أجزاء من أميركا الشمالية لخامات أخرى، محذرة من تداعيات انهيار سعر النفط على قطاعات طاقة أخرى.
من جانبها، أكدت مصادر نفطية أن «كورونا» شل العالم وعمّق جراح أكبر منتجي النفط، وأنه سيطيح باقتصادات دول ويقلب خططها الإستراتيجية رأساً على عقب، بعدما توقفت قطاعات الصناعة والطيران والمواصلات عن سحب الإنتاج رغم تدني أسعاره، ما ساهم في سرعة الوصول بالطاقة التخزينية إلى ذروتها، وأصبح النفط في مكامنه بوضع أكثر أماناً من إنتاجه من دون مشترٍ.
وقالت المصادر «أصبحنا نبحث من يشتري النفط»، مضيفة أنه بعد فشل إجتماع «أوبك+» وُلد صراع نفطي عالمي بين مثلث الكبار، السعودية وروسيا ممثلا النفط التقليدي من جانب، وأميركا ممثلة النفط الصخري من جانب آخر، إذ يسعى كل من تلك الدول لتأكيد وجهة نظره، بينما جاء فيروس كورونا ليطيح بكل المعايير والموازين العالمية.
وأضافت أن حرب تكسير العظام النفطية العالمية دخلت مراحل حاسمة، مع دخول أميركا على خط خسائر شركاتها الصخرية، بعدما وجه أكثر من سيناتور أميركي رسائلهم للسعودية للعزوف عن زيادة الانتاج، موضحة أن كل خطط الدول النفطية الساعية للحفاظ على حصص سوقية مؤثرة فشلت أمام إجراءات الدول لمواجهة «كورونا».
تزايد المخاوف
من جانبه، لفت الخبير والمحلل النفطي محمد الشطي إلى أن التسعير الشهري الذي أعلنت عنه شركة أرامكو وعزمها رفع الإنتاج 600 ألف برميل يومياً خلال شهر مايو المقبل، وراء هذا الانخفاض في أسعار النفط، لأنه يعني ارتفاع الفروقات مع نفوط الإشارة في سوق ضعيف أساساً.
وأضاف الشطي لـ«الراي» أن السوق النفطية العالمية تأثرت بتطورات «كورونا» بشكل مباشر، وتراجع الطلب في أبريل بنحو 25 مليون برميل مع تزايد المخاوف من ركود اقتصادي عالمي، وتكبد بعض الشركات النفطية الأميركية للنفط الصخري وخدماته خسائر، مع تسجيل المخزون الأميركي انخفاضاً هذا الأسبوع.
وأكد أن المؤثر الرئيسي في السوق ليس المعروض، ولكن الفيروس وانتشاره عالمياً السبب وراء اختلال ميزان السوق ومخاوف الدول والشركات وبيوت الاستثمار، مشيراً إلى أن الأسعار تبقى متقلبة وتتعرض لضغوط، في حين أن أي انفراجة ربما تكون موقتة ومحدودة، وبين أن الفائض بـ2015 بلغ 1.8 مليون برميل يومياً، وفي 2016 نحو 900 ألف، فيما التوقعات مع نهاية العام بين 3 و5 ملايين برميل يومياً.
تصريف المكدس
أما الأستاذ في هندسة البترول بجامعة الكويت الدكتور أحمد الكوح، فقال إن الهبوط الحاد في سعر برميل النفط بنحو 9 دولارات يمثل عارضاً لتصريف كميات مكدسة، لا تجد لها مشترياً أو طاقة تخزينية تستوعبها، مع توقف ذلك على نوعية النفط.
وأوضح الكوح أن أسعار النفط تعتمد على الصفقات اليومية، في حين أن العقود طويلة المدى أو قصيرة المدى لها آلية أخرى، قائلاً «إن جودة ونوعية النفط تحدد أسعاره، فهناك أنواع من النفوط في أميركا مثل داكوتا يباع بسعر سالب (تحت الصفر)، على اعتبار أن الطاقة التخزينية لمنتجيه أقل من الإنتاج ولا يوجد مشترون له».
وأرجع الانخفاض الحاد للأسعار إلى ارتفاع الإنتاج بكميات كبيرة، مقابل انخفاض الاستهلاك، ما يدل على أن البقاء والصمود في الأسواق لأصحاب النفس الطويل والكلفة الأقل، مؤكداً أن الشركات النفطية الحكومية، كما في الكويت والسعودية وروسيا، صاحبة نفس طويل ولها مشاريع على مدى سنوات، وبالتالي فإن لديها القدرة على الصمود مقابل خروج وتلاشي شركات استخراج النفط الصخري نتيجة ارتفاع كلفة الإنتاج عن البيع.
وأضاف أن تصريف النفط وذروة السعة التخزينية أثّرا على الأسعار بشكل كبير، وأصبحت هناك تخمة في الأسواق، متوقعاً استمرار انخفاض الأسعار خلال المرحلة المقبلة، على اعتبار أن ذلك أمر طبيعي وصحي مستقبلاً لدول مثل الكويت والسعودية، إذ ستقل المنافسة بعد خروج شركات وسحب المخزون، و«خلال 2021 ستصل الأسعار إلى نحو 55 دولاراً للبرميل».
سعر أبريل
أكدت مصادر نفطية مسؤولة لـ«الراي» أن سعر النفط الكويتي المعلن 16.68 دولار للبرميل هو متوسط سعر 1 أبريل وليس السعر اليومي في ظل خصومات بيع أكبر من شهر مارس في ظل الحالة التي تمر بها أسواق النفط ونسب الخصم العالية من المنتجين.
وتوقعت المصادر تراجع الطلب العالمي خلال شهر أبريل 2020 بنسبة 30 في المئة مقارنة في أبريل 2019. وقالت إنه سيكون للمساعي الأميركية الحالية دور في عودة أسعار النفط للارتفاع بيد أنها ستبقى رهن تطورات كورونا.
وفرة المعروض لن تُبقي مكاناً للتخزين
| إعداد علي الفضلي |
رغم أن العالم لم يعد متعطشاً للمزيد من براميل النفط، مع غياب شبه تام لحركة السير والسفر عبر الطائرات وإغلاق الكثير من المصانع، فإن حجم الإمدادات لهذا المورد لا يزال كبيراً وسط حرب الأسعار بين السعودية وروسيا.
وبحسب تقرير لشبكة «سي إن إن»، فإن هذه الظروف قد تعني وجود وفرة في العرض ضخمة جداً، إلى درجة أنها لن تُبقي مكاناً كافياً لتخزين جميع براميل النفط الفائضة عن الحاجة. من جانبه، أوضح كبير محللي الطاقة في «نيوبيرغر بيرمان»، جيف وايل، أن السوق بدأ في الإشارة إلى أنه ليس مجرد عدم وجود طلب على النفط الخام، وإنما ما يمكن أن تؤول إليه الأمور في النهاية هو أنه قد لا يكون هناك مكان لتخزينه. ووفقاً لـ«Goldman Sachs»، يمكن أن تصل مرافق التخزين والمصافي والمحطات والسفن وخطوط الأنابيب في نهاية المطاف إلى أقصى سعتها التخزينية، وهو أمر لم يحدث منذ عام 1998. من جانب آخر، لفت التقرير إلى أن التسعير المتعثر في بعض أركان سوق النفط يُظهر أن المستثمرين بدأوا في تسعير المخاطر التي قد تحدث قريباً.