كرة ثلج العجز قد تخرج عن السيطرة بضغط «كورونا» وتراجع أسعار النفط

الاقتراض السيادي البديل المثالي حالياً للحفاظ على قوة الكويت... مالياً واستثمارياً

تصغير
تكبير
  • أسعار الفائدة المتدنية توفر سيولة أرخص بكثير من كلفة تسييل الأصول 
  • استمرار معالجة العجز  من «الصندوق» يقرب  تصنيف الكويت من الخفض 
  •  نفاد صندوق الاحتياطي  العام يضعف قوة  المركز المالي للبلاد

أعاد قرار السعودية الأخير بمواصلة الاقتراض، وعدم اللجوء للسحب من الاحتياطي النقدي في مواجهة التغيرات التي طرأت على الاقتصاد المحلي والعالمي، حسب تصريحات وزير ماليتها، النقاش مجدداً حول موقف الكويت، واستمرار اعتمادها على السحب من الاحتياطي العام، الذي شارف على النفاد، في تمويل عجز الميزانية الآخذ في التوسع، دون إقرار مشروع قانون الدين العام، والاستفادة من أسعار الفائدة المتدنية عالمياً.
مالياً، ثمة توافق على أن اقتراض الكويت من سوق الدين العالمي والمحلي لم يعد رفاهية اقتصادية، بل مسار بات باتجاه واحد وإجباريا، فعجز الميزانية العامة تحوّل لكرة ثلج تكبر يوماً بعد الآخر مع اتساع الهامش بين المصروفات العامة والإيرادات، وهذه الكرة في طريقها للخروج عن السيطرة مالياً بضغط «كورونا» والتراجع الحاد الحاصل في أسعار النفط.
ولعل ما يذكي هذا الرأي، أسعار الفائدة العالمية، التي يصلح وصفها حالياً بالرخيصة، بعد أن جرى تخفيضها أخيراً في كثير من الأسواق العالمية، وعلى رأسها أميركا، لتقترب من الصفر، ما يضمن حصول الكويت على شروط تعاقدية ميسّرة في الاقتراض، يصعب تكرارها مستقبلاً، لا سيما إذا تراجعت تداعيات أزمة «كورونا» وحدث استقرار بأسعار النفط، علاوة على أنه ومع استمرار سحب المزيد من الاحتياطات النقدية سيكون تصنيف الكويت عرضة أكثر للتخفيض.
كما أنه ومع زيادة الإنفاق العام، تسعى الحكومات عادة إلى تنويع مصادر تمويل عجز الموازنة الناجم عن انخفاض أسعار النفط والاستفادة من البدائل الجيدة والحصول على التمويل الرخيص، بدلاً من الاعتماد على تسييل أصولها والسحب من احتياطاتها التي ستتحول مع الوقت إلى خيارات مكلفة جداً على الدولة.
وفي حالة الكويت، تمنح نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، المساحة الكافية لإصدار أدوات دين محلية وأجنبية جديدة وتوفير التمويل السريع لدعم خطط الإنفاق الحكومي وتمويل العجوزات المتراكمة بأقل تكلفة، كما أن الإصدارات السابقة للكويت شهدت إقبالاً واسعاً من المستثمرين الأجانب والمحليين في إشارة قوية على الثقة بمستقبل الاقتصاد المحلي، ودليل على أنهم مؤمنون برؤية الكويت 2035 المستقبلية، ومستعدون للاستثمار فيها لمدة طويلة.
ومحاسبياً، تتعاظم أهمية اللجوء للاستدانة الدولية والمحلية الآن لأكثر من سبب، فمن ناحية يعدّ ذلك الخيار متدني الكلفة قياساً باللجوء لتسييل أصول الدولة، الذي غالباً ما تكون كلفته مرتفعة، إضافة إلى أن القرض متناقص، خصوصاً أن سداده سيكون من عوائد استثمارية وليس من تآكل الأصول في حال اختيار سيناريو التسييل.
علاوة على ذلك، تبدو جميع التوقعات بخصوص مستقبل أسعار النفط، أقله في 2020، متشائمة، للدرجة التي ترجح فيها تقارير متخصصة بلوغ النفط أسعار متدنية قياسية تقارب العام 2014، عندما بلغ سعر البرميل نحو 20 دولاراً، حيث سيكون إيراد الدولة وقتها غير مشجع، خصوصاً إذا عُلم ان كلفة البرميل الواحد محلياً تقارب 13 دولاراً.
وحتى لو استمرت الدولة في السحب من آبارها، فإن قدرتها على المحافظة على التوازن مالياً ستتراجع، بضغط المصاريف، ما سيجعلها في الأخير تذهب أيضاً إلى سوق الدين الخارجي، لكن الكلفة مرتفعة ستكون مرتفعة وقتها، وشروط التعاقد أكثر كلفة.
وما يستحق الإشارة إليه في هذا الخصوص أن توجه الكويت نحو سوق الاستدانة الدولية، يعزز دورها في سوق الدين العالمي، ويؤكد مكانتها دولياً كمصدر مرجعي رائد في المنطقة، ومصدّر مهم في أسواق الأوراق المالية الدولية.
لكن ما دامت كل هذه المعطيات بدهية لهذه الدرجة، ما الذي يعطّل لجوء الكويت إلى سوق الدين العالمي، وتخفيف السحب من صندوق الاحتياطي العام؟
الإجابة بكل بساطة، أن قانون الدين العام انتهى منذ أكتوبر 2017، وكي تتجه الكويت مجدداً إلى سوق الدين الدولي عليها أولاً أن تقر ذلك بمشروع قانون في مجلس الأمة، وهو ما سعت إليه الحكومة أكثر من مرة لكنها قوبلت برفض نيابي، ما دفع الحكومة إلى سداد أقساط ديونها المحلية والخارجية، وتغطية عجز الموازنة من الاحتياطي العام، لتتفاقم مشكلة العجز، على اعتبار أن الحالة المالية للميزانية تشير بوضوح إلى أن تمويل العجز عبر السحب من صندوق الاحتياطي العام.
لكن في الفترة الأخيرة، تغيّرت حسبة الميزانية نهائياً، وأصبحت عرضة أكثر لضغوط طارئة تهدّد إدارتها بإمكانية خروج عجزها عن السيطرة، فعجز الميزانية العامة أصبح بعد انتشار كورونا وانهيار أسعار النفط مفتوحاً، ولا يستطيع أحد توقعه بدقة، وفي جميع الحالات بات نمو الناتج المحلي بين عامي 2019 و2020 متدنياً، وتقدير معدله مرتبط بعمر الأزمة، وكل هذه الاعتبارات تزيد الحاجة إلى البحث عن مصادر تمويلية جديدة طويلة الأجل، بدلاً من الاستمرار بسياسة السحب من الاحتياطي.
ويشدد الاقتصاديون على أن التطورات الأخيرة تستدعي التفكير الجدّي في إقرار قانون الدين العام، ولو بصفة الضرورة، وبتعاون الأطراف كافة، حتى لا نضطرّ لاتخاذ قرارات تضرّ بمستقبل الأجيال القادمة.

14.86 مليار دينار عجز الموازنة المقبلة عند سعر البرميل الحالي

بلغ سعر برميل النفط الكويتي، كما في تداولات الجمعة الماضي، 30.44 دولار للبرميل، فيما قُدّر في موازنة 2020/‏‏ 2021 عند 55 دولاراً، ما يعني أن السعر السوقي الحالي للبرميل يقلّ عما هو مقدّر لموازنة السنة المقبلة بنسبة 44.65 في المئة.
وبافتراض أن الأسعار ستبقى عند مستوياتها الحالية، مع تراجع الإيرادات النفطية المقدّرة بالموازنة بنفس النسبة، فإن تلك الإيرادات ستنخفض من 12.9 مليار دينار إلى 7.14 مليار، وإذا ما أضفنا 500 مليون دينار، أقر مجلس الوزراء أخيراً مشروع قانون بإضافتها إلى مصروفات الموازنة، للتعامل مع تداعيات «كورونا»، فإن العجز قبل خصم احتياطي الأجيال سيبلغ 13.96 مليار دينار، ويصل إلى 14.86 مليار بعد خصم الحصة. وهذا الرقم أعلى من العجز المقدر البالغ 9.2 مليار دينار المعتمد في ميزانية 2020/‏‏ 2021 بـ5.66 مليار، وبنمو في العجز المقدّر نسبته 61.5 في المئة.

علي البدر: ضغوط النفط
و«كورونا» تتطلب تنويع التمويل

قال عضو المجلس الأعلى للتخطيط علي رشيد البدر إن التطورات الاقتصادية الأخيرة التي جاءت مدفوعة بتداعيات كورونا السلبية وانخفاض أسعار النفط، فرضت ضغوطاً إضافية على الموازنة العامة تستدعي التفكير جدياً في اللجوء للاقتراض الدولي لتمويل العجز المالي الآخذ في التوسع بقوة، شريطة أن يتم وقف الاقتراض عندما تتحسن أسعار النفط، وترجع لمعدلات ما قبل «كورونا»، علاوة على ضبط الميزانية العامة والتركيز على بدائل دخل أخرى للدولة بخلاف النفط.
وأضاف البدر أن تضييع الوقت والاعتماد على صندوق الاحتياطي العام في تمويل عجز الموازنة سيقود الكويت إلى تعقيدات مالية مضرة على المدى المتوسط والبعيد، خصوصاً مع ارتفاع المصروفات العامة وتراجع الإيرادات، مؤكداً أهمية أن تمضي الحكومة بخطوات جادة في ترشيق ميزانيات الوزارات والجهات التابعة بتقليص المصاريف غير المستحقة، وخفض معدل الرفاهية الذي لا يزال تمارسه بعض الجهات في إنفاقها.
وبين البدر أن أسعار الفائدة المتدنية باتت مشجعة على الاقتراض الدولي والحصول على شروط تمويلية ميسّرة، مشدداً على ضرورة تمرير مشروع قانون الدين العام في أقرب جلسة على مجلس الأمة، والاستفادة من أسعار الفائدة المحفّزة للاقتراض، على أن يكون ذلك موقتاً ومرتبطاً بظل الظروف الاستثنائية التي يمر بها الاقتصاد المحلي.
وذكر أن نفاد سيولة الاحتياطي العام سينشئ حاجة إضافية لتسييل الأصول السيادية التي يتعين الحفاظ عليها، وتنميتها، لا سيما أن معدلات العوائد الاستثمارية لا تزال أعلى بكثير من كلفة التمويل حالياً رغم التقلبات المالية التي تشهدها مختلف الأسواق.
ودعا إلى منح الحكومة المرونة الكافية في اختيار بدائل تمويلية مختلفة، والتي يمكن من خلالها تكوين مصدات مالية بكلفة منخفضة في مواجهة تداعيات التدهور الاقتصادي الذي تمر بها جميع الأسواق في الوقت الحالي.
وأشار البدر إلى أن الاقتراض الدولي ليس بدعة لكنه أحد الخيارات المفيدة التي تلجأ إليها الدول الغنية مثل الكويت، على أن يتم توظيفها بطريقة مفيدة للاقتصاد، وألا تكون منصة لزيادة المصروفات العامة.


«ما تمر به الأسواق حالياً أصعب بكثير من أزمة 2008»

رباح الرباح: المنطق يؤكد ضرورة إقرار قانون الدين العام

أشار المدير العام لغرفة تجارة وصناعة الكويت رباح الرباح إلى أن منطقية الأمور، تؤكد أهمية إقرار مشروع قانون الدين العام في أقرب وقت ممكن، واللجوء إلى سوق الدين الدولي لتمويل عجز الميزانية، موضحاً أن هذا الخيار أسلم للاقتصاد الوطني، لا سيما في ظل تراجع أسعار النفط، ومن ثم عوائد الدخل الرئيس للدولة، وارتفاع التداعيات السلبية لانتشار فيروس كورونا على الاقتصادات التي زادت من إجمالي المصروفات العامة.
ولفت الرباح إلى أن ما تواجهه الاقتصادات المحلية والخليجية والعالمية في الوقت الحالي من تعقيدات مالية يعد أصعب بكثير مما مر به العالم في 2008، مبيناً أن العالم واجه وقتها أزمة في الأنظمة المالية والاستثمارية، أما الآن فتواجه الأسواق أزمة حادة بجميع القطاعات، ما يزيد حدتها، وأضرارها.
ودعا إلى ضرورة التحرك بما يضمن توفير جملة قرارات اقتصادية تحفيزية، موضحاً أن التأخر في إقرار هذه المحفزات ومن بينها إقرار قانون للدين العام سينعكس سلباً وبقوة على الاقتصاد المحلي.
وقال الرباح «وجود قانون للدين العام يعطي الدولة المرونة الكافية في استخدام بدائل تمويلية مختلفة، سواءً لتغطية عجوزاتها المالية أو لتمويل مشاريعها التنموية»، متسائلاً «هل الاقتراض الدولي بات ميسّراً مثل السابق وسهلاً، بعد أزمة كورونا والنفط التي ضربت مختلف الاقتصادات؟»

طارق سلطان: الفائدة المتدنية تزيد أهمية الاقتراض لسد العجز

أفاد نائب رئيس مجلس الإدارة الرئيس التنفيذي لشركة أجيليتي طارق سلطان بأن الانخفاض الحاد والمفاجئ إلى حد كبير في أسعار النفط العالمية، وتداعيات «كورونا» على الاقتصاد المحلي والعالمي، جاءا ليسلطان الضوء مرة أخرى على إحدى أبرز معضلات الموازنة العامة للكويت.
وأضاف أن الحاجة باتت ملحة للاعتماد على بدائل التمويل الدولي والمحلي المختلفة لسد الفجوة بين الإيرادات العامة والمصاريف، خصوصاً في ظل الكلفة المتدنية للاقتراض الدولي في الوقت الحالي وقربها من الصفر.
وأوضح سلطان أن اعتماد الموازنة العامة على الإيرادات النفطية كمصدر رئيس للدخل يستوجب إعادة النظر في طريقة تمويل العجز المحقق في الميزانية العامة والمرشح للتوسع في الفترة المقبلة، بسبب التراجع الحاد الحاصل في أسعار النفط، وزيادة المصاريف العامة التي أصبحت تحت ضغط إضافي، وهو مواجهة تداعيات انتشار فيروس كورونا.
وأكد أنه لا يمكن الاستمرار في السحب من الاحتياطي العام لتمويل عجز الميزانية، مشيراً إلى أهمية أن تستفيد الدولة من انخفاض أسعار الفائدة المتدنية والحصول على تمويلات رخيصة مستفيدة من التصنيف المرتفع للدولة.
ولفت سلطان إلى أن بإمكان الكويت الحصول على بدائل تمويلية دولية ومحلية بكلفة متدنية في الوقت الحاضر، مشدداً على أن هذا لم يعد خياراً بل معالجة مالية مستحقة تضمن الاحتفاظ بالأصول السيادية بدلاً من تسييلها لمقابلة العجز المالي بأسعار غير عادلة، لا سيما في ظل تحديات الأداء الاقتصادي العالمي.
ودعا إلى سرعة إقرار قانون الدين العام، منوهاً بأن أي تأخير في ذلك سيدفع صناع السياسة المالية إلى اللجوء لصندوق احتياطي الأجيال القادمة، بعد نفاد صندوق الاحتياطي العام الذي بات مهدداً بالفعل حسب التصريحات الرسمية لمسؤولي وزارة المالية.
وقال سلطان «إن برنامج الاقتراض الدولي يجب أن يطبّق الآن، وإلا ستدفع الدولة الثمن لاحقاً»، مشيراً إلى أن دول الخليج خطت الخطوات ذاتها، لتخفيف الضغوطات على ميزانياتها العامة، والحفاظ على أصولها السيادية.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي