دستور يا أسيادنا!

تصغير
تكبير

يُقال إن الآغوات الأتراك، جمع آغا، كانوا يقولون «دستور» طلباً للاستئذان للدخول على أهل الدار، أو «نحوه» من الأفعال التي يُستَأذن للقيام بها، بل إن العامة يقولون، ذَمًّا لمن دخل مكاناً من دون إذن، أو قل حياؤه بفعل شيء ليس له أن يفعله: إنه دخل، أو فعل «من دون إحم ولا دستور».
واليوم نجد بين ظهرانينا من يطالب بتعديل الدستور «من دون إحم ولا دستور»، مطالباً بإدخال تغييرات عليه لا نعلم لها أصلاً، أو أساساً.
وأيّاً كان من يريد تعديل الدستور، فإن تعديلاته مرفوضة - جملة وتفصيلاً - لأنها لن تجد أي توافق شعبي أو سياسي، ولنا في تاريخ العمل السياسي العظة والمرجع، فقد قوبلت جميع الرغبات السابقة في تغيير الدستور بالرفض الشعبي الصارم.
هناك صدام تاريخي، وعداوة، بين الحكومة والدستور يعيد نفسه اليوم، فقد عطلت الحكومة العمل بالدستور مرتين: الأولى من 1967 حتى 1980. والثانية من 1986 إلى 1992. كما تعددت الاقتراحات النيابية لتعديله، كان آخرها عام 2017؛ لتغيير المادة (79).
ومما يثير التساؤل أن نسمع تسريبات عن قائمة تقوم بمراجعة الدستور وقانون الانتخاب وقضايا اقتصادية واجتماعية أخرى، كأن التاريخ يعيد نفسه، من خلال تجربة المجلس الوطني الذي أرادوه بديلا لمجلس الأمة... الذي يملك نصف الحق في تعديل الدستور، في ما يملك سمو الأمير النصف الآخر، وفق المادة 174.
الأمر الآخر الذي تروج له طبول مجلس الأمة الحالي، وهو تغيير النظام الانتخابي، ويبدو أن هذا الأمر لم يكن مصادفة، فبعد أن خرجت لنا قائمة أسماء تراجع قانون الانتخاب؛ تبين أن هذه «الوشوشة» كانت تمهيداً، و«بالون اختبار» لتعديل النظام الانتخابي الحالي الذي فاقم ظواهر القبلية والعنصرية والاصطفاف الطائفي والمال السياسي، وما تبعها من تقليص حظوظ مرشحين أصحاب برامج إصلاحية، وغبن بعض المحافظات؛ إذ إن 4 محافظات يمثلها 20 نائباً، بينما يمثل 30 نائباً محافظتين فقط!
إننا في الكويت، منذ انتخاب أول مجلس أمة بنظام عشر دوائر بخمسة أصوات، مروراً بتغييره إلى 25 دائرة بصوتين، أثناء الانقلاب الأول على الدستور، وصولا إلى قانون الدوائر الخمس بأربعة أصوات، والذي جاء في أعقاب حراك شعبي عبر مشروع قانون قدمته الحكومة عام 2006، وانتهاءً بمرسوم قانون الصوت الواحد المعمول به حالياً؛ لم يمر علينا نظام انتخابي عادل يرسخ مفاهيم الديموقراطية والعمل السياسي الحقيقي.
إن بين الحاكم والمحكوم عهدين يراد لهما أن يتغيرا، هما: الدستور، ونظام الانتخاب. ووفق الظروف الحالية لا يمكن أن تمر هذه التغييرات من دون رضا شعبي وسياسي، لأنه من الناحية السياسية لا يمكن أن يكون هناك توافق والمعارضة غير مشاركة في العملية السياسية؛ لما للمعارضة من ثقل شعبي. ومن الناحية الشعبية فإن العقلية التي تصدر بها «القرارات الشعبية»، المعتمدة على المحاصصة وترضية كل «فئة»، أياً كان شكل هذه الترضية، لن ترضي كل الشعب، وسيظل هناك ساخطون، لأنهم لم يحصلوا على نصيب من كعكة «الترضيات»! إذاً ما الحل؟
الحل هو توافق سياسي مثلما حدث في 2006 حين توافق اقتراح كتلة الـ29 مع اقتراح الحكومة الذي جاء نتيجة تظاهرة وتأييد شعبيين كان عنوانهما «نبيها خمس»... وهذا يعني أن الحكومة لن ترضخ لمطالب الشعب إلا بعد خروج الآلاف للتعبير عن آرائهم وإجبارها على الإذعان لرغباتهم! ومن هنا فإن أي تعديل في الدستور، أو في قانون الانتخاب، لن يمر ما لم يجد توافقاً شعبياً... لأن أي طريق للتعديل لن يمر عبر الشعب لن يصل لمبتغاه وستعترضه متاريس الشعب التي ستخرج إلى الشارع، وربما تصطدم مع السلطة... وما «نبيها خمس» ليست ببعيدة عن ذاكرتنا، والعاقل من اتعظ بغيره، أو لِنَقُلْ بما سبق!

Nasser.com.kw

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي