واضح

عندما لجأ الأوروبيون إلى أمان حلب!

تصغير
تكبير

في البعيد القريب من تاريخ البشرية، وعندما اشتعلت أرض أوروبا ناراً وشراراً وأمطرت سماؤها صواريخ وقذائف وطالت أحداث الحرب العالمية الثانية كامل شعوب المنطقة، مما اضطر كثير منهم للجوء إلى «حلب» الآمنة عبر البحر بعد اليونان، وكانت أرض سورية ملجأً آمناً لهذه الأسر التي أصابها الذعر أعداد القتلى جراء الحرب التي لم تدع شبراً من أرضهم إلا وطالتها، وحتى قبل الحرب العالمية الثانية كانت سورية إحدى الدول الآمنة التي لجأ إليها الأوروبيون طلباً للحماية والعيش في سلام بعيداً عن الحروب.
قد يكون من المكرر التذكير بانعكاس الحال الآن، وإعادة تصوير مشهد السوريين وهم يعبرون بحر الموت إلى بر الخوف الذي يتمنون فيه الأمان في تغير حال هو عادة الأمور في هذه الحياة، إلا أن ما يهمنا هنا هو القراءة السياسية في القرارات التي تمنع أو تسمح للسوريين بالعبور نحو أوروبا، وهل تمت المجازفة أو المتاجرة بتلك القرارات!
لتركيا أجندة وأهداف في النزاع الدائر في سورية، بعض هذه الأهداف قد يكون مشروعا بلا شك، ولها منهج وسياسة في سبيل تحقيق هذه الأجندة، المعلن من الجانب التركي - والذي يشعل نفوس الشعوب العربية التي ما زالت تؤمن بالثورات - أن الجانب التركي هو الراعي الأول لحق الشعب السوري في حريته وسلامته من البطش! هكذا يسوّق الجانب التركي نفسه في وجه من أوجه خطابه الإعلامي، ويستكمل هذا الخطاب في مطالبته بمنطقة آمنة في الشمال السوري، يريد إبعاد يد النظام عنها زعماً أن كل هذا حماية للسوريين.


وما إن تعثر تنفيذ خلق منطقة آمنة - كما تريدها تركيا إن لم نقل فشلت - حتى بادرت إلى اللعب بورقة ملايين النازحين السوريين عندما فتحت لهم أبوابها للعبور على أسلاك الموت نحو أوروبا، وغلّفت هذا القرار بغلافين تحسبهما جميلين، طلب المساعدات المالية لتخفيف الأعباء على الاقتصاد التركي، الذي يتحمل وجود أعداد كبيرة من النازحين، والثاني هو طلب التحرك لدعم الموقف التركي في صورة وشكل المنطقة الآمنة التي تريدها في الشمال السوري، وإن لم يتحقق هذان الشرطان أو أحدهما فعلى أوروبا والنازحين السوريين أن يتواجهوا!
قلت إن الأهداف التركية في النزاع السوري، قد يكون بعضها مشروعاً، وذلك ابتعاداً عن الجدل في هذه المنطقة، لكن حتى لو فرضنا مشروعية هذه الأهداف، هل يجوز تحقيقها عن طريق تعريض الآلاف من السوريين لخطر الموت بدعوى تحقيق رغبتهم في الهجرة؟ فإن كان تحقيق هذه الرغبة مشروعا فلماذا المنع أحيانا إذاً؟
القرار الأخير بفتح أبواب الهجرة إلى أوروبا ظهر، وكأن هذا الشعب السوري - الذي نتاجر بقضيته وباستضافته - سلعة ندفعها من أجل تحقيق مصالح سياسية بحتة! وكل هذا ملفوف بشعار تحقيق الحرية والسلام لهذا الشعب!
أن تراهن تركيا على فرض أسلوب الفوضى لإنقاذ أو خلق موقف سياسي، فهذا مفهوم حتى لو لم يكن مقبولاً، لكن غير المفهوم هو هذا الموقف المؤيد من قبل كثير من الشعوب العربية والأحزاب لهذه المتاجرة بدماء السوريين، والغريب اعتبار مثل هذه المغامرات انتصارا للسياسة التركية، واعتبارها انتصاراً لحق الشعب السوري رغم وضوح سياسة اللعب بسلامة وحياة السوريين.
بالمناسبة... في أحداث هجرة الأوروبيين إلى كثير من الدول أثناء الحرب العالمية، تعهدت بريطانيا بإنشاء معسكرات لجوء لهم في الشرق الأوسط وأفريقيا إلى حين تمكنوا من العودة إلى بلادهم!

@lawyermodalsbti

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي