تسجيل إصابتيْن جديدتيْن بـ «كورونا» إحداهما لعائد من مصر
«يوروبوندز»... لبنان يقترب من «الدائرة الحمراء»
مرة جديدة يجد لبنان نفسه قابعاً في «ممرّ الفيَلة» وسط احتراقِ خرائط واختراقِ حدودٍ في المنطقة اللاهبة، فيما المأزقُ المالي - الاقتصادي وصل إلى «لحظة الحقيقة»، فإما تنجح «العمليةُ الجراحيةُ» التي يحتّمها استحقاق سندات «يوروبوندز» في 9 الجاري في احتواء وَرَمِ الديْن العام تمهيداً لوضع البلاد على سكة التعافي، وإما تُفْضي إلى مضاعفاتٍ تفتح أبواب جهنم على الدولة الصغيرة التي أنهكتْها الحروب الضارية على أنواعها.
وفيما تحاول السلطاتُ اللبنانيةُ إبقاءَ فيروس كورونا المستجد تحت السيطرة بعد الإعلان أمس عن إصابتيْن جديدتيْن (ارتفع عدد الإصابات إلى 15 تميل أحداها إلى الشفاء الكامل) تردد أن إحداهما لشخص عائد من مصر وكان أُدخل إلى أحد مستشفيات جبيل، فإن المناخَ المُرافِقَ للعدّ التنازلي لاستحقاق يوروبوندز 9 مارس وحسْم خيار السداد أو التخلف أو ما بينهما يشي بارتفاعِ مستوى المَخاطر إلى «اللون الأحمر».
وإذ بدا قرارُ عدم الدفع متّخَذاً وأن «ربع الساعة الأخير» قبل إعلانه يركّز على محاولة حصْر الأضرار وتَفادي هبوطٍ اضطراري تكون نتيجته «التحطّم» بحال جاء دون توفير «ممرّ آمن» مع الدائنين الأجانب، فإن الساعات الماضية حَمَلَتْ إشارات تردُّد وإرباكٍ كبيريْن لدى السلطة السياسية حيال تطوّرٍ سيشكّل سابقة في تاريخ لبنان تُنْهي عملياً «سمعةً ناصعة» في الأسواق المالية لم تتخلّف معها بيروت مرةً عن السداد وتُطْلِقُ مسارَ إعادة هيكلةٍ للدين العام، تبقى دون مفاعيله المرجوة عدم وجودُ «حاضنةٍ» خارجية له، وهذا ما تتداخل فيه الاعتبارات السياسية والإصلاحية، وأيضاً غياب خطة متكاملة تتلازم فيها الحلول النقدية والمالية والاقتصادية والمعيشية.
وشكّل استمرار «عصْف الأفكار» في ما خص استحقاق 9 مارس، الذي يعني التخلف عن دفعه استحقاق كل سندات اليوروبوندز البالغة قيمتها نحو 30 مليار دولار وفوائدها، مؤشراً قوياً إلى البُعد «الوجودي» للأزمة المالية والخيارات الضيّقة المتاحة بإزائها، وسط تسجيل «بورصة الاقتراحات» أمس طرحاً بتأجيل استحقاقات المصارف من سندات الدين بالعملات الأجنبية والليرة لمدة خمس سنوات وبفائدة صفر في المئة، في موازاة مقترحاتٍ أخرى تتيح الارتداد على بيع هذه المصارف حصةً من سندات استحقاق 9 مارس للخارج بما مَنَحَ مجموعة «اشمور» نسبة 25 في المئة تشكّل عملياً «حق الفيتو» وأكثر في أي مفاوضاتٍ لإعادة الهيكلة.
وفي هذا الإطار توقفت أوساط مطلعة عند الوقائع الآتية:
* إعلان رئيس مجلس النواب نبيه بري «ان غالبية الشعب اللبناني وكذلك البرلمان ترفض رفضاً مطلقاً الدفع المسبق (لسندات يوروبوند) والمطلوب دعم الحكومة من الجميع لهذا الموقف ولو أدى الى التعثر»، مؤكداً «أن المصارف التي أوصلتنا الى خسارة نسبة الـ75 في المئة من الدين تتحمل المسؤولية مع الشارين الأجانب، فإذا أرادوا إعادة الهيكلة دون قيد أو شرط ودون دفع أي مبلغ أو نسبة من المبلغ أو فائدة فليكن، عدا عن ذلك فإننا مع أي تدبير تتخذه الحكومة ما عدا الدفع هذا، فالمس بالودائع من المقدسات».
* تأكيد مرجع مصرفي، «طفح الكيل أو يكاد من الكذب والتزوير والتجني والافتراء» على المصارف «ومن الآن وصاعداً لن نسكت على هذه الحملات... ولينتظروا منا ما يعجبهم وما يضع النقاط على الحروف»، متسائلاً «بأي منطق تريد الحكومة التخلف عن دفْع سندات الخزينة عنوة وقبل التفاوض وتنظيم الجدولة مع الدائنين، علماً أن 80 في المئة من دين الدولة اللبنانية هو دين داخلي، وهي في الوقت ذاته تتهم المصارف بحجب الأموال عن المودعين»؟
وأضاف: «المفلس هو المبذر الذي تصرّف بأموال المصارف والناس هو من يجب أن يكون في قفص الاتهام والمحاسبة والمحاكمة وليس ضحاياه».
* اعتبار رئيس لجنة الرقابة على المصارف سمير حمود أن «الأفضل عدم الإخلال في سداد الدين، حفاظاً على سمعة لبنان الدولية»، محدداً عبر «وكالة الأنباء المركزية» محاذير إعادة الهيكلة وهي «تقلص إمكان التحويلات المالية إلى لبنان نتيجة فقدان الثقة به، تآكل رساميل المصارف من المؤونات التي ستتكوّن فيها وإظهار لبنان أمام العالم أنه لم يدفع دينه وهو يفتقد إلى ملف جاهز للنهوض والإنقاذ».
وترافقت هذه الضوضاء مع ارتسام واضح لخطوط الانقسام حيال الموقف من دخول برنامج مع صندوق النقد الدولي من شأنه أن يشكّل «حبل السرة» لجذْب الدعم الدولي المشروط بإصلاحات جدية وبتموْضع سياسي «حيادي» للحكومة لا يعمّق سقوط لبنان في أحضان المحور الإيراني.
وبعدما كرّر «حزب الله» بلسان نائبه حسن فضل الله رفض اللجوء إلى صندوق النقد «لأن شروطه تؤدي إلى ثورة شعبية»، برز تمايُز حليفه المسيحي «التيار الوطني الحر» الذي عبّر عنه كلام النائب آلان عون عن «المسألة ليست مَن مع ومَن ضد صندوق النقد الدولي. ويجب عدم تحويل هذا الموضوع، السابق لأوانه، إلى تجاذب أو تخوين بين اللبنانيين. المسألة هي من أين نأتي بتمويل حاجات لبنان في ظل ذوبان احتياطي مصرف لبنان؟ بدل أن نتقاتل حول 10 عصافير على الشجرة، فلنلتقط عصفوراً واحداً بيدنا أولاً».