واضح

الكويتيون فقراء!

تصغير
تكبير

قبل أيام أنهيت قراءة كتاب «الحُلم بكويت حديثة... قصة نشأة بلدية الكويت قبل النفط» للمرحوم محمد صقر المعوشرجي وزير الأوقاف الأسبق والذي عمل مديراً للبلدية قبلها، وقد حرر هذه الوثائق وسردها الفاضل بدر ناصر الحتيتة المطيري عن كتابات ووثائق تركها المرحوم المعوشرجي، وقد استوقفتني كثير من إعلانات البلدية في هذه الفترة الزمنية، والتي تصف حال البلاد والعباد آنذاك من الفقر والعوز وسوء الأحوال المعيشية.
يقول المعوشرجي - رحمه الله - «إن المواطنين كانوا يلتزمون بقرارات البلدية أول إنشائها ويعتبرونها واجبة التنفيذ، على أمل أن يكون بلدهم مثل البلدان الأخرى التي يزورونها خصوصاً في القارة الهندية»! تخيلوا كيف كان وضع بلادنا، ونحن نتمنى أن نصل إلى حال الهند وذلك من فقر وسوء أحوالنا.
كما يذكر الشيخ يوسف بن عيسى القناعي - رحمه الله - في مقال له منشور في مجلة الكويت أغسطس 1928 وهو يدعو إلى إنشاء كيان البلدية بعد أن زار البحرين، ورأى كيف تغيّر حالها بعد إنشاء البلدية هناك فيقول: «ووصلت البحرين إلى هذا الحد من النظافة وطيب الهواء، حتى ليخالها المرء قطعة من بلاد الهند، والفضل كله راجع إلى البلدية التي انشئت فيها»، كنا في حال نرى في أوضاع الهند مثلاً وطموحاً، وقطعاً الهند تملك في ذلك الوقت مثل هذه المقومات.
في 1931/‏12/‏31 وجهت البلدية بعد إنشائها رسائل لأغنياء الكويت بطلب التبرع لفقراء المواطنين، جاء في بعضها ما يصف حال الناس في هذه الحقبة من الزمن: «تم جمع إعانة يُشترى بها تمر يوزع على الفقراء الذين قعد بهم الزمن وعضهم الفقر بنابه من أبناء وطنكم»... «إن شدة الضنك الذي استحوذ على العالم عامة قد استحوذ على الكويتيين بصفة أخص، وأناخ عليهم بكلكه وترك الكثيرين يقاسون مرارة الجوع وآلامه في هذا الشتاء الشديد».
كما يذكر المؤلف أن البلدية في عام 1931 ناقشت مشروعاً لإعانة الفقراء، وكان من الاقتراحات أن تُنشأ مطاعم للفقراء من المواطنين، لتقديم الأكل المجاني لهم من شدة فقرهم!
يشير المؤلف إلى إعلان من البلدية منشور في 1934/‏4/‏27 يحذر من التعامل بالأوزان الصغيرة غير المتعارف عليها في بيع المواد الغذائية ويقول: «ويدل هذا التقنين على أن الناس كانوا يتعاملون بأقل ما يمكن شراؤه نظراً لضيق ذات اليد»، والحال ذاته عندما وصفت إعلانات البلدية حال الفقراء والمعوزين من الكويتيين بعد أحداث الهدامة في 1934/‏12/‏8 عندما انهدم كثير من المنازل بسبب شدة المطر.
وللقارئ أن يتخيل أن أحد مطالبات البلدية لشركة المناولة وتفريغ السفن في الميناء هو توظيف بعض المواطنين كعمال تفريغ وتحميل بدلاً من استئثار الإيرانيين بهذه المهنة، وذلك لسوء الأحوال المعيشية في الكويت وقتها وحاجة المواطنين لأي عمل.
هذه الحالة بهذا السوء وهذا الوصف كانت حالة مجتمعنا قبل 90 سنة فقط، ولعل كثيرا من كبار السن الذين ما زالوا على قيد الحياة عاشوا تلك الأيام بمراراتها!
أعرف تماماً أن مثل هذه المعلومات معروفة لعموم الناس، لكني رغبت في نقل الصورة ووصف الحال خصوصاً لجيل أو أجيال من الشباب لا يتخيلون في أذهانهم هذه الصورة أبداً، أنقلها في ذكرى احتفالاتنا الوطنية التي بتنا نسطّح كل شيء في ذكراها، نسطّح الأشعار والأغاني وطرق الاحتفال، أنقلها وبلادنا تعاني من جروح أنياب الفساد التي نهشت جسدها بعد أن منّ الله عليها وغيّر حال أهلها من حال العوز إلى حال الرخاء، أنقل هذه الصورة لتعي أجيال كاملة أن حالة التبذير في كل مناحي الحياة في الأكل واللبس والكماليات، والتي يغرق فيها المجتمع ويشمئز الناظر إلى تبذيرنا وإسرافنا... إن هذه الحالة مذمومة وأن أحوال الدنيا تتغير ولا تثبت على حال، أنقلها لنأخذ عبرة مما كنا فيه ولنعي أهمية المحافظة على هذه النعم وعدم الكفر بها.

@lawyermodalsbti

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي