بين التخلّف عن السداد والاحتياط لتغطية الواردات الأساسية

ضغوط السندات الدولارية تدْفع لبنان لاعتماد الخيار «الأقل سوءاً»

No Image
تصغير
تكبير

تخوض الحكومة اللبنانية سباقاً غير متكافئ مع الوقت الضيّق الفاصل عن موعد استحقاق أول شريحة من سندات الدين الدولية (يوروبوندز) في التاسع من مارس المقبل، وتبلغ قيمتها الصافية نحو 1200 مليون دولار من ضمن إجمالي استحقاقات تناهز 4.6 مليار دولار (أصول وفوائد ) للسنة الحالية. ويمكن تمديد المهلة أسبوعاً إضافياً وفق العقود المبرمة مع الدائنين.
ومع التحول المثير لهذا الاستحقاق إلى قضية رأي عام، إضافة إلى ارتباطه بمؤسسات أجنبية دائنة للدولة، تبدو الحكومة مرتبكةً في مقاربة أول قراراتها المالية المهمة، بعدما تبنّت قسراً قانون موازنة 2020 المنتقل إليها من الحكومة السابقة، تحت ضغط الذريعة الدستورية التي تفرض إقراره قبل نهاية الشهر الأول من السنة، لينكشف أمامها مشهد أكثر تعقيداً في تحديد موقف صريح في شأن محفظة الديون بالعملات الصعبة واستحقاقاتها الداهمة.
وزادت حراجة الوقائع بعد بلوغ السندات الدولية بشرائحها كافة مستويات سعرية متدهورة، وانتفاخ متوسط المردود المثقل إلى نحو 64 في المئة في نهاية الأسبوع الماضي، من متوسط مرتفع أصلاً بلغ نحو 40 في المئة، وتداوُل الفئات الموزعة من العام المقبل وحتى 2037، بما يمثل 30 الى 40 في المئة فقط من قيمها الدفترية. وبذلك انضمت الضغوط السوقية الحادة إلى حزمة الضغوط المتناقضة بين ضرورات التسديد ومحظوراته الشعبية والسياسية، فتضاعفت بالتالي عوامل الإرباك وصعوبات القرار الحاسم المرتقب باهتمام استثنائي داخلياً وخارجياً.
ويقرّ مسؤولٌ مصرفي كبير لـ«الراي» بأن مهمة الفريق الاقتصادي الحكومي معقّدة للغاية في الانتقاء بين خيارات متقاربة في مساوئها الآنية وعلى المدييْن الأقرب والمتوسط، في ظل التعثر المالي الذي تعانيه البلاد ومحدودية المخزون القابل للاستخدام من احتياط العملات الصعبة لدى البنك المركزي، والتقنين الحاد في صرف الدولار النقدي (البنكنوت) لدى المصارف.
ومن المفترض سحب أرجحية أي خيار ستوصي به اللجنة الوزارية المكلفة من مجلس الوزراء مستعينة بالخبراء، إلى كامل استحقاقات هذه السنة والسنة المقبلة، ريثما تُعتمد مقاربة مكتملة تشمل كامل محفظة «اليوروبوندز» البالغة قيمها الأصلية نحو 30 مليار دولار، وذلك من ضمن الخطة الموعودة لإدارة الدين العام، والاستعانة باستشارات وخبرات صندوق النقد الدولي، وصولاً إلى حسْم التوجهات الحكومية بما يشمل إعادة الجدولة أو الهيكلة لمجمل الدين البالغ نحو 90 مليار دولار، وسُبل تصويب اختلالات ميزانيات مصرف لبنان والجهاز المصرفي.
ويشير المصرفي إلى أهمية بلورة الخيار المأمول عبر توافق تام بين وزارة المال وحاكمية مصرف لبنان، وكلاهما أبلغا الاجتماع المالي الرئاسي - الوزاري - المصرفي الأخير في القصر الجمهوري بواقع الخيارات الضيقة وبالمخاطر المرتقبة لكل منها. وثمة معلومات عن أن السعي يتركز على بلورة معادلة تكفل عدم تعريض الاحتياط لنزف غير مرغوب في ظل الحاجات الملحّة لتغطية واردات السلع الاساسية، وفي المقابل محاولة عدم التفريط بسمعة لبنان المالية في الأسواق الدولية، والتحسب لإمكان مقاضاة الدولة لدى المحاكم الأميركية والدولية.
ويبدو أن خيار مقايضة استحقاق مارس بإقناع الدائنين بالاكتتاب في إصدار جديد بقيم مماثلة، القرار الأقلّ سوءاً بين الخيارات المتاحة، وهذا الحل الذي باشر حاكم «المركزي» رياض سلامة استطلاع قابليته وتسويقه منذ مطلع السنة الحالية لدى كبار حملة السندات المستحقة، لقي، وبحسب معلومات لـ«الراي» استجابة مبدئية من قبل البنوك المحلية يمكن تثبيتها عبر حوافز موازية يتم اعتمادها بالليرة، وتعزّزت بتفهُّم قابل للتطوير من قبل مؤسسات دولية بينها «غولدمان ساكس» و«جي بي مورغان»، يمكن أن تساهم في تعميمه على سائر حملة السندات الأجانب، وبالتالي خفض مبالغ التسديد النقدي إلى حدود مقبولة.
أما خيارات الامتناع عن السداد، ومع نفاذ وقت التفاوض مع الدائنين للتفاهم على إعادة الهيكلة والجدولة، فهو يقود حكماً الى خروجٍ مؤلم من الأسواق الدولية واستحقاق قانوني لكامل محفظة الديون وإمكان الحجز على أصول الدولة وممتلكاتها في الخارج وترقُّب تداعيات يصعب تقديرها مسبقاً على المعاملات المالية عبر الحدود وعلى شبكة الجهاز المصرفي مع البنوك المراسِلة.

جمعية المصارف
وأبدت جمعية المصارف حساسية عالية تجاه عدم السداد، عبّرتْ عنها في بيان رسمي قبل أيام جزمت فيه «أن التعامل مع هذا الحدث المالي الكبير من قبل حكومة الرئيس حسان دياب الجديدة، يشكِّل مؤشراً مهما إلى كيفية التعامل مع المجتمع الدولي مستقبلاً»، مشيرة الى «وجوب سداد استحقاق مارس في موعده والشروع فوراً في الإجراءَات المطلوبة لمعالجة ملف الدين العام بكامله»، وذلك «حمايةَ لمصالح المودعين ومحافظةً على بقاء لبنان ضمن إطار الأسواق المالية العالمية وصوناً لعلاقاته مع المصارف المراسلة، وجُلّها من الدائنين الخارجيّين».
وبرزت في السياق، إشارة صادرة عن مؤسسة «كابيتال إيكونوميكس»، ومفادها «أنه قد يتعين على حائزي السندات اللبنانية شطب 70 في المئة من استثماراتهم، وخفض قيمة عملة البلاد للنصف بموجب خطة إنقاذ من صندوق النقد». وكتب جيسون توفي من المؤسسة «سيلتهم ذلك رؤوس أموال البنوك، وستصل كلفة إعادة رسملتها إلى نحو 25 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي أي نحو14 مليار دولار.

صندوق النقد:
الوضع صعب جداً

عشية وصول وفد خبراء من صندوق النقد إلى لبنان الذي كان طلب قبل أيام رسمياً من الصندوق مشورة فنية وإرسال وفد تقني للمساعدة في إعداد خطة اقتصادية ونقدية ومالية شاملة لإنقاذه من أزمة مستحكمة، وصفت المديرة التنفيذية للصندوق كريستالينا جورجيفا الوضع في «بلاد الأرز» بأنه «صعب جداً»، معتبرة أنه بات على لبنان اتخاذ قرارات مهمة تتعلّق بسياساته العامة «بعد تأجيله المستمر للقيام بإصلاحات أساسية» كما بات عليه سلوك مسار واضح لتصحيح الاختلالات الموجودة، وإظهار القدرة على القيام بالإصلاحات.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي