جودة الحياة
الحب روح الحياة


ليس بوسع أي مقالة الإحاطة بمعنى الحب كشعور إنساني نبيل يجعل للحياة معنى وقيمة، فالحب أساس الحياة ومن دون الحب تبدو الحياة كصحراء قاحلة وسراب يحسبه الظمآن ماء، وليل طويل تظلله الوحشة والضعف والهوان. ليس قراراً أن نحب ولكنه قدر يأتي بغتة من دون أن يكون لنا حيلة في دفعه وتفاديه، وأي قدر؟ إنه قدر يدفعنا إلى معانقة الحياة بكل أفراحها، صعابها، أتراحها، فليست ثمة مرحلة عمرية نمتنع فيها عن الحب، أو أن نقع فريسة الحب إن جاز التعبير. ليس بوسعي كما قلت أن أتحدث عن الحب بمعناه الإنساني الواسع في مقالة، ولكن سأحاول جاهدة وكأنني أغوص على الشاطئ أو كسباحة هاوية على شاطئ نهر سريع الجريان لا تخشى الغرق واكتساح التيار.
الحب كقيمة إنسانية رفيعة يتسع مداه ليشمل ليس فقط العلاقة بين المرأة والرجل، وإنما يمتد إلى كل رابطة إنسانية بين البشر كالصداقة والأخوة، وتذهب العلاقات الإنسانية مذاهب شتى في تقدير قيم الحب وأعلاها لدرجة أن البعض يقدم حياته رخيصة في سبيل من يحب، وطالما أن الحديث عن الحب كإحدى القيم الإنسانية التي تحظى بالاهتمام والقبول لدى البشر على اختلاف مجتمعاتهم وثقافاتهم، فإنه من نافلة القول الاقرار أن الحب قدر وليس قرارا نتخذه وقتما نريد، فلا يمكن أن نقرر بغتة حب أحد من الناس، ومع ذلك فإن الأقدار قد ترمي بنا في طريق الحب دون مقدمات، فمثلاً ونحن في العمل أو على مدرجات الكلية أو ساحات الحرم الجامعي، أو حتى في أماكن التنزه قد تقع أعيننا على أحدهم/ إحداهن ودون مقدمات نكون قد اختلقنا الظروف الملائمة لبدء حديث، أي حديث كالتعليق على حالة الطقس مثلاً أو أي مسار آخر للكلام، المهم أن نلفت نظر الآخر وفي دواخلنا يقين أو حالة من التأكد والجزم وفي هذه اللحظة بالتحديد بأنه صار مسار اهتمامنا، لا يمكن بأي حال شرح أو تفسير مشاعر الحب بمستوياته المختلفة سواء كانت علاقة المرأة بالرجل أو الحب الأخوي، مهما أحسنا التعبير والتوصيف يظل الكلام أقل من مقام الحب وقدره في القلوب.
وليس الحب بمعنى العلاقة بين المرأة والرجل حصراً هي مدار حديثي، وإنما أعني الحب كعلاقة رحبة تنفتح على فضاء إنساني شامل يتسع مداه ليشمل العلاقة بين الأم والأبناء، والأب وأبنائه، وعلاقات الصداقة التي يمكن أن ترتقي إلى أعلى مراتب العلاقات الإنسانية فيكون الأصدقاء كالأخوة الأشقاء.
الحب قدر كما أسلفت، ولكن أي قدر؟ إنه أحلى الأقدار وأجملها لأنه يحملنا إلى مستويات مختلفة من العلاقات الإنسانية الراقية ذات الخصوصية ونحن ننتقل من إطار إلى آخر في مسار العلاقة.
يلزمني التأكيد على أن الحب كقيمة إنسانية سامية ينطوي على قدر لا يستهان به من الصعاب والعقبات الموضوعية وتلك التي من صنع البشر، فليست ثمة أي علاقة حب لا سيما بين المرأة والرجل تنساب بسهولة وسلاسة إلى نهايتها المرجوة أو المحتملة دون اشكالات ومصاعب.
تناول الشعراء والأدباء في بعض القصص الأدبية حالات الحب وانتصارات المحبين ووصول بعضهم إلى مبتغاهم، واخفاق آخرين لظروف ذاتية وموضوعية، تشمل أدوار الحساد والشامتين الذين ربما يكونون بغاية السرور والانشراح وهم يرون علاقات المحبين تتداعى وتأخذ مسار الافتراق والتشتت بعد الألفة والتقارب، كترويج الإشاعات إلى مجالات الوقيعة بين المحبين والعشاق وتتعدد المحاولات لوضع النهاية أو تخريب العلاقة عبر أوسع الخطوات التي قد تكون من أقرب الناس إلينا، اذاً لا تمضى العلاقة أحياناً بين المحبين كما في طريق مفروش بالورد والرياحين.
وقصص الحب القديمة من أزمان غابرة في عالمنا العربي، أو التجربة الإنسانية عامة تخبرنا بالكثير عن المشقة التي واجهت علاقات الحب عبر الزمان وقادت في النهاية إلى تخريبها وتجريع المحبين كؤوس الفرقة والضياع.
لسنا في حاجة إلى تعداد قصص الحب التي واجهت مصائر بائسة وربما مثيرة للشفقة والرثاء، ولا يتسع المجال بالطبع لسرد الأمثلة والحالات التي انتهى فيها الحب ليصبح شيئا من الماضي الذي يتدثر خلف غلالة من ذكريات مبهجة وسارة وأخرى غير ذلك تماماً.
?الحب نعمة عظيمة ولكلٍ منا تجربته في الحياة، ولنا في تجارب الحب عبرة، فليس كل من أحب ظفر بما تمناه قلبه، ولا تعتقد أن نهاية الأشياء هي نهاية العالم، ولا تنتظر حبيباً باعك، بل انتظر ضوءًا جديداً يمكن أن يتسلّل إلى قلبك الحزين فيعيد لأيّامك بهجتها ورونقها، ويعيد لقلبك نبضه الجميل، وليس كل ما يلمع ذهباً، فقد تقع فريسة لسوء تقديراتك بإعطاء قلبك إشارات خاطئة في وقت ما تجاه شخص ما ثم تكتشف بعد حين أنه الشخص الخطأ، وأقول أن نهاية أي قصة ليست نهاية العالم فثمة طريقة دائماً لاستئناف مشوار الحياة والحب.
* مستشار جودة الحياة
Twitter : t_almutairi
Instagram : t_almutairii
[email protected]