فلسفة قلم
مغالطة التضليل والتطبيل الإلكتروني
بعض النقاشات عند الخوض فيها تكون قد دخلت في حلقة مفرغة، ودوامة يصعب الخروج منها بفائدة، هذا إذا خرجت ولم تكن مبعثراً معقداً لا تدري ما موضوع النقاش في الأساس، والسبب دائماً وأبداً يعود إلى كم المغالطات المنطقية والاجتماعية التي تغلغلت في حواراتنا ونقاشاتنا اليومية، وأصبحت حجج الاستدلال ، وسواء كنا نعلم أو لا نعلم فإننا دائماً نناقش لإثبات فكرتنا عن الحقيقة، لا الحقيقة نفسها وأنا لست في معزل عن ذلك.
إذا نجحنا في تفكيك الحوار وانتبهنا إلى المغالطات المنطقية في حواراتنا - بكل تأكيد - سنخرج بنتيجة تخدمنا جميعاً ولعل أبرز تلك المغالطات الحوارية هي شخصنة الحوار، بأن نتجاهل القضية ونوجه مدافع القصف نحو قائلها فإذا أحبوه قذف بمدافع الزهور، أما إذا كرهوه فلا يدري من تأتي صاليات النار... من طعن في الشخصية أو اختيار عبارات مجتزئة من آرائه والترويج لها في مواقع التواصل الاجتماعي، ليحشدوا ضده التعاطف الجماهيري، وعندها ستكون أنت قارئ هذه السطور، إما من حاملي مدافع النار من دون أن تعلم وإما ممن يتفرج ويقول اللهم لا تضعني مكانه.
ومن المغالطات الانتقال من القضية الأساسية إلى قضية رديفة، فمثلاً في ما نتحدث عن قضية حرمة الخمور وضررها على المجتمع، نجد من أمامنا يتحدث عن المخدرات وكيف أنها آفة الشعوب وسبب قتل الشباب، وهي أخطر ما يجب ان نواجهه وهذا كله بسبب هروبه في إبداء رأيه في حرمة الخمور وضرورة التصدي له، ايضاً مغالطة التعميم وعدم الاستثناء فليس بالضرورة اذا صدر خطأ غير اخلاقي من بعض أفراد جالية معينة ان يتم التعميم وجعل كل أفراد تلك الجالية غير أخلاقيين ويجب طردهم من البلد فهذه هي المغالطة بعينها وهذه هي سخافة الطرح.
ومن أشهر المغالطات المنطقية والتي نعاني منها بشكل يومي في نقاشاتنا، وفي مواقع التواصل الاجتماعي مغالطة رجل القش، وسميت بهذا الاسم لأن الخصم وكأنه صنع له خصماً من القش، وبدأ يصارعه، فمثلاً يقوم بإعادة صياغة الحجة بطريقة محرفة أو مجتزئة لتهميشها أو تضخيمها بهدف تسخيفها، ثم يبدأ في مهاجمتها والحقيقة أنه لا يهاجم سوى قضية وهمية صنعها لنفسه، لأنه لا يستطيع مواجهة الحجة الأصلية: ومثال على ذلك عندما ينادي أحد بضرورة تطبيق تعاليم الإسلام الشرعية في حياتنا اليومية، يبدأ صانع رجل القش بتحريف كلامه ويهاجمه بحجة أنه يريد أن يقطع الرؤوس والأيادي ويرجم الشعب! وهو لم يقل بذلك أصلاً.
على كل حال المغالطات المنطقية التي نعاني منها بشكل يومي كثيرة، ولعلنا نعود لها في مقال آخر، ولكنني سأذكر لماذا حشد التعاطف من أخطر المغالطات التي يجب الحذر منها، ولا نركب قطارها، لأنها بكل تأكيد يمكن استخدامها ودمجها مع أي مغالطة أخرى، وقد كثر استخدامها في مواقع التواصل الاجتماعي في هاشتاقات تضخ كماً من المغالطات ممزوجة بحشد التعاطف للتضليل أو التطبيل، وهنا يصبح الحق باطلاً والباطل حقاً.