الميزانية نجحت فقط في كسب عداءات النواب والاقتصاديين والمواطنين ومجتمع الأعمال

موازنة «2020/ 2021»... «مال عمك لا يهمك»

تصغير
تكبير

الكويتيون منقسمون بين غير مقتنع بالعجز وآخرين مسلّمين بأن الأزمة في المدير 

زيادة المصروفات مضطردة  من سنة مالية لأخرى

«المالية» تزهو بخفض التقديرات الحكومية رغم محافظتها على سقف المصروفات!

تحذيرات حكومية بصعوبة الوضع وضرورة ربط الحزام دون أن تقدم حلول إنقاذ


تعكس قراءة الموازنة التقديرية للدولة للعام 2020/‏‏‏‏ 2021 حقيقة لا يمكن القفز عليها، وهي أنها لا تزال تعاني اختلالات هيكيلية كبيرة وتشويهاً واضحاً في التوازن الاقتصادي المطلوب لجهة القدرة على تعويض البون الشاسع  بين المصروفات الآخذة في الارتفاع والإيرادات المتراجعة، ما دفع العديد من المحللين إلى اعتبار الموازنة الجديدة كارثة، وتزداد خطورتها بتعزيزها أن الازمة الحقيقية في إدارة الموازنة لا في عجزها.   
ويبدو واضحاً أن حالة عدم الرضا لا تقتصر على النخبة الاقتصادية فقط، فحتى الدواوين والمقاهي لم تخل من الحديث عن عجز الميزانية الذي يراه البعض مفتعلاً، إضافة إلى عقد قبول أرقام الميزانية من بعض النواب الذين وصفوها بغير الحقيقية، وأن المسؤولين عن إدارة المالية العامة يتصرفون وكأنهم يطبقون مقولة «مال عمك لا يهمك».
أما من سلًم بالعجز، فيجد في أرقام الموازنة الجديدة دليلاً إضافياً على الحاجة لكفاءات تنقذ ميزانية الدولة، بحلول ناجعة، تنعكس على الخدمات المقدمة للمواطنين، سواءً الصحية أو اللوجستية، وتكون قادرة على إظهار تأثيرات المصروفات العامة إيجاباً على المستوى الاجتماعي.
ولعل أكثر ما نجح فيه مشروع الموازنة هو اكتساب عداءات، فمع النواب والمحللين والمواطنين، شعر مجتمع الأعمال بخيبة أمل، لما جاء في الميزانية من أرقام لا تعكس اهتماماً حكومياً بمنح الشركات الوطنية دورا أكبر في الاقتصاد الوطني حتى السنة المالية المقبلة.
وفي ما يلي غيض من فيض الملاحظات على أرقام الميزانية التقديرية الجديدة:
1- كثيراً ما سمعنا عن تصريحات لمسؤولين حكوميين، لا سيما في «المالية»، عن ضبط المصروفات وترشيق الموازنة وضبط الإنفاق الجاري، لا سيما منذ أزمة انهيار أسعار النفط في 2014، لكن هذا الأمر يخالف واقع الأرقام، حيث نجد زيادة مضطردة في إجمالي المصروفات، من سنة مالية إلى أخرى.
 فخلال السنوات الخمس الأخيرة، بما فيها تقديرات السنتين الماليتين الحالية والمقبلة، نجد أن المصروفات ارتفعت من 17.7 مليار دينار في (2016/‏‏‏‏ 2017) إلى 19.247 مليار بـ(2017/‏‏‏‏ 2018) ثم إلى 21.848 مليار في (2018/‏‏‏‏ 2019)، لترتفع في كل من الموازنة التقديرية للسنة الحالية والمقبلة إلى 22.5 مليار دينار.
ثم إن تثبيت سقف إجمالي المصروفات للسنة المالية الثانية على التوالي، مع خفض الإنفاق الرأسمالي 4.5 في المئة في الموازنة التقديرية للسنة المقبلة، يعني أن الزيادة في المصروفات توجهت إلى الإنفاق الجاري على حساب «الاستثماري».
والمفارقة هنا، أن وزارة المالية تزهو بأن الوزارة خفّضت التقديرات الأولية لموازنات الجهات الحكومية 19 في المئة وذلك نزولاً من 27.7 مليار دينار إلى 22.5 مليار، ليكون السؤال عن أي ترشيق وأي ترشيد تتحدث «المالية» مع زيادة الإنفاق الجاري وتراجع «الاستثماري»؟
2- رغم الحديث عن زيادة الإنفاق الاستثماري، والتوسع في المشاريع التنموية، ومنح القطاع الخاص دوراً أكبر في الاقتصاد الوطني، بما يتوافق مع تحويل الكويت إلى مركز مالي وتجاري، ورؤية كويت جديدة 2035، نجد أن الإنفاق الرأسمالي انخفض 167 مليوناً في الموازنة التقديرية لعام (2020/‏‏‏‏ 2021) وبنسبة 4.5 في المئة مقارنة بالمقدّر في موازنة السنة المالية الحالية، بدلاً من زيادته، ما يعكس أن هناك مشروعين متناقضين داخل الحكومة! حيث يصعب عملياً تحقيق التنمية المستهدفة دون زيادة الإنفاق الاستثماري، وتحريك المياه الراكدة اقتصادياً للبنوك وشركات القطاع الخاص في جميع القطاعات.
وإلى ذلك يُذكر أن هذه هي المرة الأولى يتم فيها تقليص الإنفاق الرأسمالي بآخر 5 سنوات مالية، منها تقديرات السنتين الحالية والمقبلة.
3- تصريحات وأحاديث حكومية على مدى سنوات طويلة، مقترنة بنصائح وتحذيرات خبراء اقتصاديين، من داخل الكويت وخارجها، تؤكد ضرورة تنويع الاقتصاد الكويتي، لكنها لم تترجم إلى ممارسات حكومية تنقذ الوضع المالي، إذ تبقى الميزانية أحادية في مصدر إيراداتها، فـ 87.3 في المئة منها وفقاً للموازنة الجديدة إيرادات نفطية، بل الأدهى والأمر أن الميزانيتين التقديريتين للسنة المالية الحالية والمقبلة، شهدتا انخفاضاً في الإيرادات غير النفطية، فبعد تراجع تلك الإيرادات 8.5 في المئة من 2.13 مليار دينار في (2018/‏‏‏‏ 2019) إلى 1.949 مليار في الميزانية المقدرة لـ (2019/‏‏‏‏ 2020) انخفضت 3.8 في المئة في تقديرات موازنة السنة المالية المقبلة إلى 1.874 مليار.
4- رغم التحذيرات الحكومية بصعوبة الوضع وضروة ربط الحزام، إلا أنه في المقابل لا يزال التحرك في خطوات إنقاذية للموازنة، وللاقتصاد الوطني برمّته، مجرد تصريحات وأحاديث، دون أن يسندها إيجاد مصادر أخرى للإيرادات.

نواف الشمالي:  في الكويت فقط الحكومة ضد الحكومة

 يرى مستشار مجلس إدارة شركة لاند العقارية نواف الشمالي أن أزمة الموازنة العامة الحقيقية ليست في أرقامها، بل في طريقة إدارتها، مؤكداً  أنه يتعين على الحكومة أن تتعامل مع القطاع الخاص كشريك في التنمية، إذا كانت تعمل فعلاً على زيادة الإيرادات وتقليل المصروفات.
ولفت الشمالي إلى أن في الكويت الحكومة ضد الحكومة، موضحاً أن هناك مسؤولين يدفعون بالتحرك نحو تحقيق رؤية الكويت 2035، وتأكيد أهمية القطاع الخاص شريكاً للدولة في تنفيذ خطة التنمية، فيما يشهد الواقع المالي بكل وضوح أن مبالغ الانفاق الوحيدة المتراجعة بالميزانية تتعلق بالمصروفات الرأسمالية.
وقال «انخفضت هذه المصروفات بحسب الإعلان الرسمي من 17 في المئة إلى نحو 16 في المئة من إجمالي الإنفاق، كما أن الموازنة لا توفر أي مشاركة حقيقية للقطاع الخاص».
وشدد الشمالي على أن «المالية» لطالما قدمت وعوداً كثيرة على تقديم ميزانيات رشيقة، ومنضبطة، لكن القراءة المالية لآخر 3 سنوات تعكس أن ميزانياتها منفلتة بلا توجيه حقيقي لضبط المصروفات، موضحاً أنه رغم تراجع الإيرادات التقديرية للسنة المالية المقبلة بنحو 6.5 في المئة قياساً بالسنة المالية الحالية، إلا أن هناك ثباتاً في سقف المصروفات، ما يعكس أن الرشاقة كانت لإيرادات الدولة فقط!
وذكر الشمالي أن الهدف الرئيس الذي يضعه دائماً معدّو الميزانيات العامة يتمثل في مواصلة العمل على رفع كفاءة الإدارة المالية، بما يحافظ على الاستدامة وتحقيق أعلى عائد.

 

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي