رواق

كلهم قابوس

تصغير
تكبير

منذ طفولتي، ارتبطت عُمان والعمانيون بالسلطان قابوس، كنت أعتقد أن العمانيين، يشبهون السلطان قابوس، شكلاً وموضوعاً، واليوم تأكدت من صدق اعتقادي.
عندما بتنا على حكم السلطان قابوس ثم أصبحنا على سلطان جديد، اختاره قابوس، واتفق عليه المجلسان، العسكري والأسرة وكأن قابوس ما زال على رأسهما.
المؤسس، أسس سلطنته التي حكمها 50 عاماً على نهج ربما أراده أن يستمر 500 عام، آخر الرؤساء المؤسسين لمنظومة مجلس التعاون، التي وجدت لتبقى مهما تنازعتها الخلافات والصراعات تنتهي وتستمر بحكمة الحكماء.


صنع السلطان قابوس فصلاً كبيراً ومهماً من تاريخ الخليج والمنطقة، وقدم درساً في تداول السلطة من أعلى مستوياتها... السلطنة.
وبمناسبة الدروس وفصول التاريخ استذكر موقفاً رواه المرحوم أحمد الربعي، الذي سجن في عمان عند مشاركته ثوار ظفار القتال، وأثناء وجوده في السجن انتقل الحكم من الأب إلى الابن ثم زارهم السلطان الجديد، فأدار السجناء ظهورهم للسلطان الجديد احتجاجاً، وكان الربعي أحدهم، ثم خرج من السجن، وبعد مرور سنوات أصبح الربعي، السجين السابق، وزيراً، وما زال السلطان سلطاناً، وشاء القدر أن يزور السلطان الكويت ويكلف وزير تربيتها باستقباله، ليتكرر اللقاء ثانية بين الرجلين!
يقول الربعي: تمنيت لو ابتلعتني الأرض من شدة الحرج، كيف سأمد يدي مصافحاً الرجل الذي قاتلت ضد نظامه، لكني فوجئت به يمد لي يده، وهو ينظر لي نظرة مفادها طي صفحة الماضي، فأدركت أن هذا الرجل يسير نحو المستقبل.
ويعيدني المستقبل إلى الماضي ودروسه، عندما كنت أتواجد في القمم الخليجية كمراسلة صحافية، وكيف كان قابوس في كل القمم، قمة ترتقي عن الخلافات كان يحسمها بيقين أن الاختلاف لا يعني خلافاً، وإن لم أكن معكم فلست ضدكم في مواقفه من العملة الموحدة والسكة الحديد وغيرهما من المواضيع الخلافية بين أعضاء مجلس التعاون، كان يمكن للجميع ان يغير رأيه إلا السلطان إن أعطى رأياً لا يغيره، لذا كان يتريث كثيراً قبل أن يتخذ أي قرار، كان آخر من يقرر وأول من ينفذ لا يثنيه شيء، أتذكر اعتذاره عن عدم حضور قمة الكويت، والتوقف عن محاولات حثه على الحضور احتراماً لرغبته، فصاحب السمو الشيخ صباح كان الأكثر فهماً لرؤيته، وقد يكون الأقرب لمشاركته الرؤية نفسها، ويشاركه الكثير من الاهتمامات لعل البحر أبرزها كما شهدت في المركز العلمي لدى زيارة السلطان له وتبادلهما الحديث حول الخفافيش والثعالب والثعابين وأنواع الأسماك في البحر الذي اجتمعوا على عشقه.
كنت اعتقد أن كل العمانيين يشبهون قابوس، حتى زرت عُمان، فوجدت كل شيء في عُمان يشبه قابوس: صمت، هدوء، استقرار، ووقار.
لا أظن أن عُمان والعُمانيين سيتغيرون برحيل قابوس فكلهم قابوس.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي