الكويت باتت ضمن الرادار العالمي
تغيرات المناخ تفرض واقعاً مصرفياً جديداً التركيز تمويلياً على التكنولوجيا والمشاريع الصغيرة
- الهاشل أكد أهمية وضع المخاطر المناخية بالسياسات التحوطية
- بوصلة استثمارات البنوك ستتجه نحو «التمويل المسؤول»
- «المركزي الأوروبي» يرى تأثيراً مناخياً سلبياً في ميزانيات البنوك
- الائتمان قصيرالأجل لمشاريع النفط واقع البنوك... الجديد
تفرض التغيرات العالمية، لا سيّما تلك المتعلقة بالالتزام بتخفيض نسب انبعاث ثاني أكسيد الكربون، واقعاً جديداً على مجالات عمل البنوك، وتحديداً في توجيه استثماراتها وتمويلها نحو «التمويل المسؤول»، الذي يصب في تخفيف آثار التغير المناخي، ويميل نحو المشاريع التي تدعم الاستدامة البيئية وتستخدم الطاقة النظيفة، وتلك التي لها انعكاسات إيجابية على المجتمع.
وتتخذ قضية التغير المناخي اهتماماً متزايداً خلال الوقت الراهن من قبل البنوك المركزية، أشار إليه محافظ بنك الكويت المركزي، الدكتور محمد الهاشل، بوضوح أخيرا، مؤكداً أهمية تحديد السبيل الأمثل لوضع المخاطر المرتبطة بالمناخ في الاعتبار عند رسم السياسات التحوطية، وأن الأمر يتطلب توسعة مصفوفة المخاطر لتشمل المخاطر المرتبطة بالمناخ بشكل صريح وتحسين أدوات التحليل المستخدمة لتقييم مدى الخطر الذي تشكله الكوارث المناخية على القطاع المالي.
ولفت الهاشل إلى أهمية تزويد النظام الرقابي بأدوات جديدة تأخذ في الحسبان المخاطر المرتبطة بالمناخ من منظور شمولي بدلاً من إضافة بند جديد إلى منظومة المخاطر.
كما نبّه البنك المركزي الأوروبي، في وقت سابق، إلى أن التغير المناخي قد يؤثر سلباً على ميزانيات البنوك وعلى الاستقرار المالي، مشدداً على حاجة صانعي السياسات إلى السيطرة بشكل أكبر على نطاق هذا التعرض، كون أن الافتقار إلى بيانات موثوقة عن هذه المخاطر يمكن أن يخلق حالة من عدم اليقين.
ووفقاً لـ«المركزي الأوروبي»، فإن أحداث الطقس كانت مسؤولة عن أكثر من 80 في المئة من خسائر الكوارث المؤمنة في عام 2018، وأن المخاطر المادية عندما تتحقق، يمكن أن تؤدي إلى تآكل ضمانات وقيم أصول للبنوك بشكل كبير، الأمر الذي من شأنه أن يتسبب بتأثيرات سلبية على التزامات التأمين، منوهاً إلى أن الانتقال إلى اقتصاد منخفض الانبعاثات، سيؤثر على شركات بشكل أكبر من شركات أخرى، وسيؤدي إلى انكشاف البنوك المتشابكة معها.
وفي الوقت الذي تتعاظم فيه الحاجة عالمياً للإمكانات المالية التي يمكن الاستفادة منها في منظومة الاقتصاد الأخضر، تجد المصارف نفسها، بما فيها البنوك الكويتية، مطالبة بتكييف بوصلة استثماراتها مع هذا الواقع، خصوصاً إذا علم أن الكويت باتت ضمن الرادار العالمي في مسألة التغيّر المناخي، مع تصنيف مؤسسة البترول ضمن أكثر الشركات العالمية الوطنية مساهمة في تلوث المناخ، ما حدا بالمؤسسة إلى الإعلان، أخيراً، إنهائها الاستعدادات التشغيلية واللوجستية التي تمكنها من إنتاج وقود السفن منخفض الكبريت المطابق للمواصفات العالمية، إضافة إلى ما أعلنته المؤسسة ممثلة بقطاع التسويق العالمي، عن بيع أول شحنة من منتج الديزل (Diesel 10 ppm) ذي محتوى كبريت منخفض، سيتم تصديرها خلال الشهر الجاري.
قطاعات معتادة
وقد تجد البنوك الكويتية نفسها أمام بعض التحديات، لا سيّما مع الواقع التقليدي لأنشطة الأعمال، الذي لا يزال تركز على القطاعات المعتادة، خصوصاً تلك المتعلقة بالقطاع النفطي، ولذلك يرى بعض المختصين أهمية أن تغيّر البنوك من سياساتها في منح الائتمان لمثل هذه المشاريع، مع الميل نحو منحها من خلال ائتمانات قصيرة الأجل والتحفظ على تقديم تسهيلات ائتمانية طويلة الأجل، ما يمكّن البنوك الحد من المخاطر المستقبلية المحتملة التي تواجه مثل هذا النوع من الاستثمارات، مع تضييق الخناق على القطاع النفطي.
وهذا بالفعل ما بدأت تنحو تجاهه بنوك مركزية عالمية تضع التأثير المناخي ضمن خيارات المخاطر في توقعاتها الاقتصادية، الأمر الذي سينسحب أيضاً على وكالات التصنيف الائتماني التي تقيّم ديون البنوك، وهو ما يعني أن التحوط لمخاطر التغير المناخي بات مطلباً عالمياً غير قابل للمساومة.
وفي المقابل، يتعيّن على البنوك جذب الأعمال التي تركز على الاستدامة البيئية في أنشطتها، علاوة على مغازلة أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة ذات الأفكار الابتكارية والبعيدة عن التسبب بانعكاسات سلبية على تغير المناخ، مع الانفتاح نحو المشاريع التكنولوجية التي أصبحت توجهاً عالمياً، لقلة تكاليفها وندرة تأثيراتها السلبية على البيئة، بالإضافة إلى تقديمها قيمة مضافة في تنويع الاقتصاد المحلي.
رغم ذلك، يجادل بعض المراقبين بصعوبة اتخاذ البنوك خطوات كبيرة في التوجه نحو الاستثمار أو تمويل المشاريع المتعلقة بالاقتصاد الأخضر، خصوصاً وأن الاستثمار في هذا المجال لا يزال يمثل مجازفة، مع التقدم البطيء في تبني الطاقة المتجددة والوسائل البديلة للنفط.
من ناحية أخرى، يرى بعض المراقبين أن اتباع البنوك لسياسة تتوافق مع المتغيرات التي يفرضها الواقع العالمي، من شأنه أيضاً أن تكون عاملاً مساهماً في تحفيز الجهات الأخرى، لا سيّما الشركات، في التغيير بأنشطة أعمالها، الأمر الذي سيمثل دافعاً نحو تسهيل عملية التغيير على الجميع، مؤكدين أن عملية التكيّف هذه ليست بجديدة على البنوك التي تمكنت من التكيّف مع التحول الرقمي، إذ استطاعت أن تستفيد من هذا التحول، بدلاً من الاكتفاء فقط بتلقي سلبياته.