العدوان الصهيوني الآن على غزة ليس حرباً إنما هو مجزرة ومذبحة، لأنها بين طرف يملك السلاح كله وطرف لا يملك إلا حقه وإيمانه بعدالة قضيته ويواجه الموت بصدر مكشوف.
فالعدو الصهيوني توجه بمئة طائرة مقاتلة صهيونية تلقي أكثر من مئة طن من القنابل على مدينة غزة الصغيرة، ونفذ أكثر من مئتي غارة، فدمرت البيوت والمساجد والمباني وقتل من فيها من الأطفال والرجال والنساء في مشهد دموي يعيد للتاريخ مذابح اليهود في دير ياسين وكفر قاسم وصبرا وشاتيلا وغيرها لأنهم يقولون ربنا الله.
إن يوم السبت 27 ديسمبر يعتبر يوماً فاصلاً وتاريخياً ليس في تاريخ غزة فحسب، وليس في تاريخ القضية الفلسطينية فحسب، وإنما في تاريخ صراع العرب مع اليهود الصهاينة المحتلين.
المشهد العربي مشهد خزي، بضعة ملايين من اليهود الصهاينة وسط ثلاثمئة مليون عربي ومسلم، ورغم ذلك اليهود الصهاينة محتلون لأرضٍ عربية إسلامية ومحتلون للمسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، ويرتكبون المذابح ليلاً ونهاراً في الشعب الفلسطيني والعرب حولهم مكبّلون بالوهن. نعم، مكبّلون بالوهن وليسوا مكبّلين باتفاقيات ولا قانون دولي ولا مجتمع دولي ولا توازنات قوى عسكرية إنما مكبّلون بالوهن الذي ذكره النبي (صلى الله عليه وسلم) في الحديث المشهور عندما قال: «ولينزعن الله من قلوب أعدائكم المهابة وليقذفن في قلوبكم الوهن. قالوا يارسول الله وما الوهن؟ قال حب الدنيا وكراهية الموت».
ففي فلسطين يزف إلى السماء الشهداء تلو الشهداء، ويوم السبت كان الموعد مع 225 شهيداً وارتفع العدد إلى أكثر من ثلاثمئة شهيد وثمانمئة جريح، والمحصلة في ازدياد مع استمرار العدوان الغادر.
ولكننا - نحن المسلمين - لا نحزن على شهدائنا، فالشهداء في نعيم، والشعوب العربية مكبّلة ولا تستطيع أن تفعل أي شيء لنجدة إخوانهم في فلسطين إلا الخروج في الشوارع تصرخ فقط تعلن الغضب!
لكن المصيبة في بعض الحكومات العربية، التي بعضها التزم الصمت والآخر تظاهر بالانفعال، والبعض أشارت الصحف والمعلومات والأخبار إلى مشاركته في العدوان وعلمه المسبق بالمذبحة.
لقد توالت المؤامرات على غزة منذ أن تولت حركة «حماس» القيادة بإجماع شعبي، ولكن الذين يدعون الديموقراطية زوراً في الغرب، وبعض البلاد العربية لا يهتمون بالشعوب ولا إرادتهم ولا إجماعهم على تولي «حماس» القيادة، فكانت الخيانة والمؤامرة تلو المؤامرة، والله يفضحهم، ولكنهم لا يستحون يبتسمون مع العدو ويقابلونه بالأحضان والقبلات ويدّبرون المؤامرات ليلاً ونهاراً ضد حركة «حماس»، لأنها حركة مسلمة مقاومة لا تريد أن تستسلم وتمشي معهم في ركب الذل والاستسلام وسوق النخاسة التي يتسارع البعض إلى أن يجد له مكاناً فيه. فاجتمعوا وتآمروا مع العدو على هدم غزة على من فيها، ثم من المثير للسخرية أن وزراء الخارجية العرب قرروا الاجتماع يوم الأربعاء الماضي كأنهم ينتظرون أن ينتهي الصهاينة من هدم غزة على من فيها، ثم يبحثون كيفية التفاوض والحديث في الأمر!
وحتى مع الإعلان عن عقد مؤتمر للقمة، فالحقيقة واضحة منذ ستين عاماً، إذ إنه لم ينفع مع اليهود الصهاينة شجب ولا إدانة ولا مؤتمرات قمة وبيانات صاخبة تحاول أن تظهر بأي موقف إعلامي لا يسمن ولا يغني من جوع.
الحقيقة أن المشاهد التي بثتها الفضائيات للمجزرة مؤلمة ومحزنة، وهي مشاهد مقصودة. نعم المذبحة الصهيونية مقصودة، كي تركع «حماس»، ولكن يقيناً ستفشل خطة الصهاينة لأن أهل غزة يفخرون بشهدائهم. و«حماس» و«الجهاد الإسلامي» وجميع فصائل المقاومة صامدون وأعلنوا صمودهم يداً واحدة. ويقيناً التدمير والقتل لن يكون نهاية غزة إنما نهاية الخونة والمعتدين.
ونقول ونكرر لأهل غزة لقد صبرتم على الحصار فمهما استمر العدوان وطغى، فالنصر صبر ساعة، وتيقنوا أنه بثباتكم على دين الله وعلى حقكم، فالله معكم وناصركم.
وأخيراً ما حدث في غزة هو درس للجميع شعوباً وحكاماً من أن اليهود الصهاينة المحتلين لا أمان لهم ولا عهد لهم، فهم كما جاء في القرآن قتلة الأنبياء ولا حل للقضية الفلسطينية إلا بالمقاومة، ولا حل للأنظمة العربية إلا أن تتقوى بتحالفها مع شعوبها لا أن تنعزل عنهم... ويبقى أن الحقيقة تترسخ مع كل يوم أن فلسطين لن تتحرر إلا بالمقاومة والجهاد وبذل الدماء لتحرير الأقصى والقدس، ولاسترداد حقنا المسلوب من اليهود الغاصبين.
ممدوح إسماعيل
محامٍ وكاتب مصري
[email protected]