منذ ما يقارب الخمسة أعوام وزيادة نُشر للكاتب الجميل الدكتور ساجد العبدلي، في هذه الجريدة نفسها، في زاويته التي كانت بعنوان «حمم وجليد» مقالاً بعنوان «منتديات الدمار العربية»، كان من خلاله يتطرق بصفة عامة للمنتديات العربية في شبكة الإنترنت في وجهة نظر له شديدة السوداوية والتشاؤم. بعد أن قرأت ذلك المقال مرة، ومرتين، وثلاثة قررت أن أُراسل الدكتور ساجد كيّ أُبين له أن نظرته التي عممها على المنتديات العربية كانت مجحفة، وقاسية وتحتاج منه لإعادة نظر، ووضعت له في تلك الرسالة عنوان إحدى المنتديات التي شاركت في تأسيسها قديماً لكي يشاهد الدكتور بنفسه كيف أن المنتديات العربية ليس جميعها مصدر للدمار. أنهيت رسالتي الموجهة إليه بعد أن وقعتها باسم مستعار، ثم كتبت في خانة عنوان الرسالة «عفواً أخي ساجد العبدلي» ثم أرسلتها عبر أثير الإنترنت نحو إيميل الدكتور. بعد بضعة أيام نشر الدكتور ساجد رسالتي كاملة في زاويته دون أن يمسها بأي «سمكرة» وبالعنوان نفسه، والاسم المستعار، ووعد أنه سوف يرد لاحقاً على رسالتي هذه. عاد الدكتور العبدلي من جديد وكتب رده عليّ عبر مقال له كان بعنوان «منتديات الدمارـ كلاكيت ثاني مرة»، (حيث وضّح لجميع القراء أنه تكلم من خلال واقع تجربته الفعلية مع هذه المنتديات، وأن الجميل والجيد منها هو بمثابة قطرة الماء الصغيرة في البحر الكبير.) ولقد فاجأني الدكتور ساجد بأنه أصبح زميلاً لي في ذلك المنتدى نفسه الذي دعوته لتصفحه.
تذكرت هذه القصة والتجربة الجميلة مع الكاتب الجميل ساجد العبدلي، وبعض منتديات الإنترنت عندما جلست بيني وبين نفسي في لحظة مزاج وهدوء أستعرض قائمة النقاط البيضاء الجميلة التي منحتني إياها بعض المنتديات الفضائية. في الإنترنت ولدت ككاتب، لأنها فتحت لي ذراعيها بكل مودة، وهمست في أُذني: حاول، جرّب، لا تتردد، اليوم ستبدأ صغيراً وغداً سوف تكبر. كنت أتسكع في ممرات منتديات الإنترنت بقلمي الصغير أبحث دائماً عمن يحترمني، ويقدر ما أخطه بصدقي، وحزني، وعذاباتي، كنت أُحلق عالياً في فضاء الإنترنت، كل ما شعرت أن الأرض باتت لا تسعني، كنت أكتب، وأكتب، وكنت أرسم ألواني، وأتنفس، وكانت الانترنت تبتسم لي كما تبتسم الأم في وجه صغيرها تشجيعاً له، كانت الإنترنت الصدر الكبير الذي احتواني يوم أن حالت الواسطة، والمحسوبية، والطبقية بيني وبين الكتابة في أي جريدة كويتية يومية، كانت الإنترنت تصقلني، وتعلمني، وتقويني، وتفهمني كيف يكون الكاتب كاتباً حقيقياً من دون أن يقبض فلساً واحداً، ومن دون أن يكون خلفه قائمة طويلة من الداعمين له. في الإنترنت لم يكن المخبر موجود، ولم يكن السوط موجود، ولم تكن الأصفاد موجودة، ولم تكن هناك أي حواجز ثانية، ورغم هذا كله لم أكتب إلا بمسؤولية ورقابة ذاتية، لأني كنت أحرص كثيراً على أن أكون مهذباً في روحي وحرفي سوياً، وهذا ما جعل لي بعض الأحباب هناك المتواصلون معي إلى هذا اليوم. في الحقيقة «بيّض» الله وجه الإنترنت، لأنها قدمت لي أكثر مما أعطيتها، لأنها أعطتني بالمجان قلماً معبأً بالحبر ودفتراً وقالت لي: هيا، كُن أو لا تكون في عالم الكتابة. شكراً لها لأنها قدمتني لكم.
حسين الراوي
[email protected]