د. وائل الحساوي / نسمات / أبشروا بعام 2009

تصغير
تكبير
يستعد العالم لوداع ضيف ثقيل جثم على صدورنا 365 يوماً بدأها بموجة كاسحة من الغلاء في كل شيء حتى شعرنا بأن جميع أموالنا ستصب في جيوب التجار، وصرخنا على الحكومة ان انقذينا فزادت رواتب الكثير منا ثم دعمت بعض أسعار السلع ولكن ذلك لم يؤثر كثيراً حيث ان الغلاء لم يترك قطاعاً أو سلعة الا وهاجمها، كالعقار والغذاء والملابس والأجهزة وغيرها، وكانت حجة التجار في رفع أسعار السلع هي ان الدول المصدرة للبضائع قد رفعت اسعارها وأن ارتفاع برميل النفط قد أثر على كل شيء.
ثم قرأنا عن ازمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة وتأثر البنوك والشركات الأميركية فيها، فلم نعر لذلك اهتماماً، فما دخلنا بالعقار الأميركي ومشاكله؟! لكن ما لم ندركه الا متأخراً هو أن تلك الأزمة لم تكن الا «تسونامي» جديدا بدأ من نقطة ثم انتشر بسرعة البرق، ولم يصب شواطئ بعض الدول كما فعل تسونامي ولكنه اصاب الاقتصاد العالمي كله بمقتل.
وكما استيقظ العالم عام 1989 على سقوط حائط برلين والذي كان ايذاناً بسقوط المعسكر الشيوعي برمته الذي بدا سابقاً وكأنه الحتمية التاريخية التي لا فرار منها، فقد استيقظ العالم كله في 2008 على سقوط جدار (الوول ستريت) الذي يعتبر عراب النظام الرأسمالي، ثم تهاوت اقتصاديات الدول الاخرى في منظومة غريبة كتهاوي أحجار الشطرنج المصفوفة، وضخت الدول مليارات الدولارات في السوق وكأنها تدفع اوراقا فارغة ولكن ذلك لم يوقف المد الزاحف للانهيار المالي العالمي، وبالطبع فإن بورصتنا كانت هي الأشد تأثراً. ولم يشأ عام 2008 ان يودعنا قبل ان يقول لنا: لقد جعلتكم تتمتعون بارتفاع اسعار النفط لأرى مدى تخطيطكم وحرصكم على الاستفادة من تلك الفرصة النادرة، لكنكم لا تستأهلون تلك الثروة لأنكم لم تستغلوها في ما ينفعكم بل بددتموها وتسابقتم على مشاريع فاشلة ومزايدات رخيصة بينما توقفت عجلة التنمية في بلادكم وسرتم إلى الوراء، لذا فقد قررنا حرمانكم من تلك الثروة وارجاعكم إلى ما كنتم عليه كما بطل مفعول الفانوس السحري، وبذلك هوت اسعار النفط.

وليت ذلك الضيف الثقيل قد اكتفى بعقوباته الاقتصادية علينا لكنه أبى الا ان يهز كياننا السياسي و«يفركش» ما بنيناه، تارة بحل مجلس الأمة وتارة بحل الحكومة مع شلل كامل للبلد وتخبط على جميع المستويات لم تسلم منه وزارة او رياضة او شركات نفطية او علاج صحي أو كهرباء وماء او تعليم.
طبعاً فإن أمنياتنا بالعام الجديد كبيرة ولكن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، ولا نملك الا ان ندعو الله تعالى ان يلطف بنا وأن يرزقنا عاماً هجرياً وميلادياً جديداً مباركاً وبداية للخير، وان يرزقنا تغيير انفسنا نحو الأفضل.
نعيب زماننا والعيب فينا
ومالزماننا عيب سوانا
ونهجو ذا الزمان بغير ذنب
ولو نطق الزمان لنا هجانا
وليس الذئب يأكل لحم ذئب
ويأكل بعضنا بعضاً عيانا
(الشافعي)
د. وائل الحساوي
[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي