حصر «الإقرار المستنير» بالأب دون الأم يتحوّل أزمة اجتماعية
«الولاية الصحية»... جُرحٌ نازف في قلوب الأمهات
المرافق الصحية الأهلية توقّع الأب على إقرارات عدة دفعة واحدة تستخدمها الأم على مراحل
هل بمقدور الطفل تحمل ألم الأسنان حتى تحضر الأم الأوراق المطلوبة من الجهات المعنية؟
الوضع يكون مختلفاً في الحالات الطارئة التي تحتاج تدخلاً جراحياً فورياً
تسببت الولاية الصحية على المرضى القصر أو ناقصي الأهلية أو معدوميها بمشاكل اجتماعية وطرحت تساؤلات عن جدوى قصرها على الأب، وفتحت باب الجدل والنقاش حيال ما اعتبره البعض إجحافاً بحق الأمهات يكاد يفطر قلوبهن على صغارهن كمداً وألماً، في ظل منعهن من التوقيع على ما يسمى بـ«الإقرار المستنير» للموافقة على التدخل الجراحي لأبنائهن، وحصر الحق في ذلك للأب ثم الجد من جهة الأب والأبناء والإخوة.
وتصاعدت في الآونة الأخيرة تحذيرات من خطورة استمرار هذا الوضع الذي قد يهدد حياة الصغار، ويتسبب بمعاناة كبيرة للأم، التي تجد نفسها عاجزة عن فعل أي شيء عند حاجة أبنائها حتى لأبسط الإجراءات الطبية الجراحية، مثل التخدير للتغلب على ألم الأسنان أو معالجة العصب.
وفيما تتطابق معظم الآراء حيال أهمية «الإقرار المستنير» المعمول به في معظم دول العالم عند التدخل الجراحي أو أي إجراء طبي يتطلب ذلك، بيد أن هذه الدول لا تمنع الأم من التوقيع عليه، كما هي الحال في الكويت، منذ سنوات، وهو ما يجعلها عملياً عاجزة عن إعطاء الإذن للطبيب في أي تدخل جراحي لازم لأبنائها، في حال غياب زوجها لسبب ما.
وأمام تلك العقبات، لجأت مرافق القطاع الأهلي الصحية إلى «حيلة قانونية» تتمثل بتوقيع الأب على عدد من الإقرارات دفعة واحدة، والتي قد تصل إلى 10 في بعض الحالات، مثل علاج الأسنان، لتتمكن الأم لاحقاً من المتابعة بموجبها من دون الاضطرار لاصطحاب الزوج كل مرة.
على أن المشكلة تتعقد أكثر في حالة الأم الحاضنة التي تكون على خلاف مع طليقها، ولا يخولها حق الحضانة أيضاً التوقيع على «الإقرار المستنير» للموافقة على التدخل الجراحي لابنها، وإنما يجب أن تحصل على موافقة ولي الأمر أو حكم قضائي عند التعذر بحسب الظروف، وهنا يبرز التساؤل: هل يكون بمقدور الطفل أن يتحمل على سبيل المثال ألماً في أعصاب الاسنان، حتى تذهب الأم الى إدارة الشؤون القانونية والتحقيقات في وزارة الصحة، ومن ثم تحضر ما يثبت عدم تواجد الأب (شهادة وفاة، أو حضانة صحية، أو كتاب من السجن أو تفويض إن كان الأب خارج البلاد)، لاستخراج كتاب «لا مانع» من التدخل الجراحي.
في المحصلة، لا تقتصر الأزمة على الأم والأبناء المرضى، وإنما تمتد لتشمل أيضاً الكوادر والمؤسسات الطبية التي تريد حماية نفسها قانونياً، وبالتالي تتحول إلى مشكلة اجتماعية.
وفي سياق البحث عن حلول، يرى البعض أنها تكمن في تطبيق المادة الثانية (فقرة د) من قانون حماية حقوق الطفل، التي تنص على أنه «يحق لولي أمر الطفل أو الحاضن أو الحاضنة أو متولي رعاية الطفل أو من في حكمهم استخراج كافة المستندات الرسمية والثبوتية الخاصة بالطفل والقيام بأي إجراء إداري أمام الجهات الرسمية كافة نيابة عن الطفل، وتكون لحماية الطفل ومصالحه الأولوية في جميع القرارات والاجراءات المتعلقة بالطفولة، أياً كانت الجهة التي تصدرها أو تباشرها». لكن هذه المادة، وفقاً لمراقبين، تنطوي على غموض قد لا يحمي المؤسسات الصحية أو الكوادر الطبية حال حدوث أمر ما، كونها ركزت في مضمونها على حق الفئات الواردة في نص المادة على استخراج المستندات أو الاجراءات الادارية، ولم تتطرق بشكل صريح لموضوع الولاية الصحية أو «الإقرار المستنير» عند التدخل الجراحي، وهو الاجراء المعمول في كل دول العالم، وفقاً لتوصيات المنظمات الصحية الدولية، وإن اختلف الوضع في الكويت في شأن الشخص المخوّل بالتوقيع على الإقرار.
لكن هل ينطبق ما سبق من إلزام على الحالات الطارئة التي تحتاج تدخلاً جراحياً فورياً؟
مصدر طبي مطلع أوضح لـ«الراي» أنه في هذه الحالة يكون الوضع مختلفاً، وفقاً للاجراءات المعمول بها في وزارة الصحة، حيث إنه في حال وجود طفل مريض يعاني من مرض خطير، و يحتاج إلى اقرارات للتوقيع عليها يتعذر الحصول عليها فوراً، فهنا يكون اللجوء إلى قانون حقوق الطفل حيث يقوم الطبيب المعالج باستدعاء استشاريين، ورفع الأمر إلى الشؤون القانونية في المؤسسة المعنية لاتخاذ قرار بالتدخل، بما يتعارض حتى مع رأي ولي الأمر أو الوصي عليه.
وبحسب المصدر، فإن ذلك يتم في العمليات الجراحية الطارئة أو الأورام، التي تكون نسبة الشفاء فيها عالية، إن تمت معالجتها بشكل مبكر.
كما يرى البعض في هذا السياق أن الولاية الصحية أو الولاية التعليمية ليست مطلقة لمَنْ يملكها، وينبغي أن تُحدد ضوابطها وبنودها بشكل دقيق وواضح، وهو ما يستلزم جلوس جميع الجهات المعنية معاً لوضع إطار شامل خالٍ من الثغرات.