ضوء

عاملات المنازل (2)

No Image
تصغير
تكبير

نتطرق في مقالنا هذا إلى حالات هروب الشغالات من المنازل، والتي أصبحت تُشكل ظاهرة واضحة للعيان، وأسبابها كثيرة، فأحياناً يكون التعامل مع الشغالة غير إنساني، وأحيانا بسبب عدم توقعات الشغالة لحجم وضغط العمل، وأحياناً أخرى بسبب التأثير السلبي من معارفها الأجانب عليها، وغيرها من الأسباب، لكن أهم الأسباب وأخطرها: وجود عصابات تشجع العاملات على الهرب من أجل العمل في تجارة الجسد.
ومن ضمن الحالات التي وردت لنا من زوجة تشكو حالها، وهناك آلاف الحالات المشابهة لها والأسوأ منها، فالحالة التي بين أيدينا استطاعت الشرطة القبض على الشغالة وأعادتها للوكالة، لكن غالبية حالات الهروب تختفي فيها الشغالة وكأنها إبرة في كومة من القش.
تقول الزوجة: أعمل بدوامين، وانتظرتُ وصول الشغالة بفارغ الصبر، ولم أصدق نفسي حينما اتصلوا بي يخبرونني عن وصولها.


دخلت الشغالة بيتي وعرفتُ من لهجتها أنها كانت تعمل سابقاً في دولة عربية، استبشرتُ خيراً، وظلت الشغالة شهراً تمارس عملها بشكل طبيعي، وكنتُ يومياً أوصيها قبل أن أخرج إلى العمل صباحاً مصطحبة أولادي إلى المدرسة بالحذر وعدم فتح الباب لأي غريب، وكنتُ أرجع إلى البيت ظهراً ثم أعاود العمل مساء لفترة قصيرة، وهكذا كان الحال.
وتواصل الزوجة كلامها قائلة: «مضت الأيام، وما ان تجاوزت الخادمة الشهر من دون مشكلة - اللهم شكوى من ألم في الرأس - حتى أحسست بالاطمئنان من ناحية سلوكها الأخلاقي، فأخذتها لمزيد من الفحوصات الطبية».
لكن وبعد مرور شهر وعشرة أيام من قدومها، صحتْ الزوجة ذات يوم صباحاً تنادي على الشغالة لكن لا من مجيب، فهرعتْ إلى الهاتف تخبر المكتب، فقالوا لها يجب عليها أن تُبلغ الشرطة، وبالطبع ذهب الزوج وقدم بلاغاً رسمياً بهروب الشغالة، لكن لحسن الحظ كان جارهم متوجها إلى صلاة الفجر، فلمح باصاً صغيراً عند الساعة الرابعة فجراً يحوم بشكل مشبوه في المنطقة، ثم لمح الشغالة تطل من الباب، لذا قرر الجار تسجيل رقم الباص وذهب إلى الصلاة، وما ان سمع عن خبر هروب الشغالة من جاره، حتى تأكد بأن الباص كان منتظراً إياها، آنذاك أعطت الأسرة رقم الباص إلى الشرطة، وفي اليوم التالي عند الساعة الثامنة تلقت الزوجة مكالمة غريبة من أجنبية تدّعي بأنها من جمعية حماية العاملات، وبأن الشغالة الهاربة لديهم، وسألتها الزوجة ما سبب هروبها؟ وكيف عرفوا الرقم وكيف وصلت الشغالة إليهم؟ أجابت بأنها لجأت لهم من خلال اتصالها بهم، وتوجهوا لأخذها! أما السبب، فهو كما تدعي بأنه تقصير الأسرة في إطعامها! كيف؟ وغالبية ساعات النهار تكون الشغالة وحدها في البيت وتستطيع أن تأكل ما تشاء، لكن هذه هي الإسطوانة المشروخة التي تكررها معظم الهاربات في مكتب الأيدي العاملة أو في مركز الشرطة.
وفي تلك الأثناء عرفت الشرطة مالك الباص، فطلبوا حضوره، لكنه أنكر علمه بأي شيء، وقال إن العمال قاموا بالأمر بشكل فردي، فطلبت الشرطة حضور العمال، فأرسل المالك من طرفه اثنين من العمال ليسا ممن جاء إلى الشغالة لاصطحابها، وبما أنه لم يتعرف عليهما أحد من الشهود أخلت الشرطة سبيلهما، وجاءت الشغالة بصحبة إحدى الأجنبيات إلى الشرطة، وتباكت أمامهم لكي لا يتركوها في مركز الشرطة، ولكي لا يسلموها إلى المكتب، وبالطبع لا يريد أي طرف منهما أن يتحمل مسؤولية وجود الشغالة عنده، لكي لا يتحمل أي تكاليف لها من طعام وشراب أو غيره، فأرجعوها إلى الأجنبية التي جلبتها، ثم بعد أيام عدة وبعد إلحاح الزوجة على الشرطة اضطروا إلى إعادتها إلى المكتب، وبالطبع كان ذلك من حسن حظ الأسرة، لأنهم ضمنوا عدم خسارة ما دفعوه من مال، رغم خسارتهم وقتاً طويلاً من الانتظار بلا فائدة، وستخسر الأسرة وقتاً أطول، وجهداً أكثر، وقهراً وحرقة أعصاب، إلى حين إصدار التأشيرة، لجلب شغالة جديدة، وبالطبع لن تسترجع الأسرة كل المبلغ الذي دفعته. والسؤال المؤلم: من يقف بالمرصاد لمهربي العاملات؟
والسؤال المحير أكثر: من يعوض المواطن؟ أين حقوق المواطن؟ ولماذا لا يقف القانون ومن يطبقه مع المواطن؟ ولماذا على المواطن دوماً أن يتحمل الخسارة؟
ومجدداً نناشد الجهات المعنية أن تقوم بواجبها لسن القوانين التي تضمن حقوق المواطن عند التعامل مع عاملات وعمال المنازل، وتطبيقها بشكل عادل ومنصف.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي