جون الكويت... هل من منقذ؟
بين فترات ليست متباعدة نشاهد مواجهات خطيرة بين عناصر الهيئة العامة للزراعة والثروة السمكية وصيادين لا يقدرون قوانين تنظيم الصيد، حتى أصبح جون الكويت بقعة حرب بين دوريات الرقابة البحرية وطراريد الصيد المخالفة.
تساءلت في نفسي، ثم سألت أهل الاختصاص ممن أعرفهم وهم يعانون الأمرين بشكل يومي على سطح مياه الجون، عن سبب إصرار الصيادين على كسر القوانين والاستعداد بالتضحية والخسارة، التي تصل إلى فقدان طراد صيد أو إصابة بليغة أو الوقوع في شباك القانون! حتى عرفت السبب فبطل العجب.
قبل أن أذكر السبب - الدافع بقوة لتمرّد الصيادين على القوانين - دعوني أعرض صورة قلمية عن المشاهد المزرية التي تحصل في جون الكويت، فما يحدث من عشوائية صيد في أوقات الحظر لأنواع معينة من الكائنات البحرية يؤثر على المخزون السمكي، وينذر بانقراض بعض أنواع الأسماك، ما يهدد الحياة الفطرية البحرية، مستقبلاً بكل تأكيد.
غير أن الخطر لم يتوقف عند تهديد الحياة الفطرية فقط بل إن الأمر تجاوز ذلك ووصل إلى تهديد حياة الأشخاص بسبب كثرة المواجهات بين جهات الضبط القضائي والصيادين، والتي عادة ما تنتهي إمّا بتصادم بحري وإمّا الهرب، وأضحى الجون ضحية ينزف نتاج هذه المشاهد التي لا تنتهي وتضعه في خطر دائم.
لنعود إلى دوافع الصيد المخالف... باختصار جون الكويت بمثابة كنز البحر عند الصيادين، وحتى نفهم المشكلة لا بد أن نعرف أن جهات الضبط القضائي قامت بإحالة عشرات الصيادين، الذين انتهكوا القوانين خلال السنة الماضية إلى الهيئة العامة للبيئة، وقد خرج الكثير منهم بأمر صلح مع الهيئة مقابل دفع مبلغ 250 دينارا، أما من يحال منهم إلى النيابة فيخرج بكفالة مالية أيضاً، وذلك بكل تأكيد لم يمنعهم عن الاستمرار والإصرار على الصيد العشوائي بسبب الأموال الكثيرة التي يحصّلونها، إذ إن الصياد يجني في اليوم الواحد من الصيد المخالف مبلغ 300 دينار تقريباً، يتأرجح بالزيادة والنقصان، حسب نوع الصيد المحظور والطلب في السوق.
إذا ما يجمعه الصيّاد مقابل القانون الذي سيطبق عليه إذا تم ضبطه في أضعف الاحتمالات لا يدع مجالاً للمقارنة، وهو ما يجعلهم يتمردون على القانون، ما يؤكد أن المخالفين يرتكبون جرائم عمدية والتي من المفترض ألا يسمح بها الصلح وفقاً للمادة 144 من قانون حماية البيئة، ولذلك تأتي أهمية تفعيل القوانين بالشكل الصحيح، وتغليظ العقوبات بحق الصيادين، حتى وأن وصل الحال إلى إبعاد الوافدين منهم إدارياً، بالاضافة إلى تسخير الإمكانات لجهات الضبط القضائي كافة وأهمها تزويدهم بزوارق صيد عالية الفاعلية تدخل في المياه الضحلة، بدلاً من الطراريد المتواضعة التي يستخدمونها.
...
مدير إدارة شرطة البيئة أصدر قبل فترة تعميما داخليا حمل رقم 3/ 2019 يقضي بمنع عناصر شرطة البيئة من التعامل مع أي بلاغ مخالف لقانون البيئة يرد إليهم، والاكتفاء بإحالته إلى مدير إدارة التفتيش والرقابة في الهيئة العامة للبيئة دون غيره، وهو الوحيد - دون غيره أيضاً - من يطلب إسناد شرطة البيئة!
لماذا أثار استغرابي هذا التعميم؟... بكل بساطة لأنه شلّ حركة عناصر إدارة شرطة البيئة، وجمّد صفة الضبطية القضائية التي منحت لهم بنص قانون حماية البيئة، كما أن هذا التعميم جاء مخالفاً للقرار رقم 9 لسنة 2016 في شأن مهام واختصاصات شرطة البيئة، وجعل منها دوريات إسناد لإضفاء نوع من الهيبة الأمنية لضباط الهيئة القضائيين فقط!