مثقفون بلا حدود
«عطلة المفتش طاهر»...
قدّم لنا المخرج الجزائري موسى حداد عام 1973 الفيلم الكوميدي «عطلة المفتش طاهر»، أراد أن يقول أشياء كثيرة بعد الاستعمار الفرنسي، فحينما تخلصت الجزائر من المستعمر وطردته من أرضها فرّ هاربا يجر أذيال الخيبة وراء ظهره، انتقل المجتمع الجزائري من حال إلى حال، لقد بدأ موسى حداد من «سيدي فرج» ولعله أراد أن يبدأ عهداً جديداً للجزائريين بعد حقبة بائدة للمستعمر، فميناء «سيدي فرج» هو البوابة التي دخل منها الفرنسيون، أراد المخرج أن يبعث رسالة واضحة الخطوط مفادها أن الجزائر تسامت فوق جراحها، وستقف من جديد من خلال عطلة المفتش طاهر وهو (رمز) لحس الدعابة والفكاهة والتغلب على الأحزان والآلام، وهو رمز لسخرية القدر في تبدل الأحوال، فإن الله يعز من يشاء ويذل من يشاء، وللظالم يوم لا يحيد عنه أبداً.
إن المخرج الجزائري موسى حداد، حينما يمرّ على بعض الأماكن ويصور ما فيها بطريقة ومضة «فلاش»، يرمز إلى أشياء عدة، فمن الصعوبة بمكان أن يقف على كل صغيرة وكبيرة ليشرحها للمشاهد، إنما مجرد النظر إليها فهي توحي بالمراد، فعلى سبيل المثال صورة السواحل مكان يرمز إلى راحة البال وهدوء النفس، صورة من يرتاد هذه السواحل من كل حدب وصوب رمزية التآلف والانفتاح على الآخر، والنكتة ترمز إلى الفكاهة والاستقرار الذي أنعم الله به على الجزائريين بعد سنوات مظلمة من الاستعمار الفرنسي، وكذلك موكب المفتش طاهر استقبل في مدينة بوسعادة بحفاوة، وتقديم التمر مع الحليب رمز للعادات والتقاليد والكرم:
(أينما تولي وجهك بالجزائر ترى... نعيما وكرما وعزا وسخاء)
عزف الموسيقى الفلكلورية في مدينة بوسعادة والرقصات الشعبية والملابس التقليدية كلها رمز للمحافظة على الهوية الجزائرية وعلى التراث اللامادي الذي لم يستطع المستعمر مصادرته، تعدد الجنسيات الأجنبية من السياح رمز للأمن والأمان، مهارة فائقة للكوميديا الجزائرية والتونسية مقارنة بالزمن، تغيير الملابس وتنوعها يرمزان إلى الرفاهية والدعة والعيش الرغد، المرشد السياحي من النساء يرمز إلى دور المرأة البارز آنذاك، ومدينة بوسعادة ترمز إلى السعادة التي يرفل بها الشعب الجزائري وينعم، غلاء المعيشة في التلغرافات يوحي بالمدنية والرأس مالية المتقدمة، مناظر الطبيعة الخلابة رمز لجمال الجزائر:
(لله درك يا جزائر... لله درك يا جزائر... يا روعة الناظر وحلم الأدباء)
الطرب البوسعادي والفلكلور والرقصات الشعبية للفتيات وهن يتمايلن بشعورهن شبيهة بالرقصات الشعبية الفلكلورية لفتيات الخليج وهي ترمز إلى وحدة العادات والتقاليد المتجذرة في الوطن العربي الأم، حمل المسدس أصاب السياح بالذعر وهو يرمز للأمن والأمان، إذ لم يعد هناك مكان لحمل السلاح بعد نهاية المستعمر، سهولة الرحلة من الجزائر إلى تونس هي رمز الأخوة والمودة والتعانق وكرم الضيافة لدى الأشقاء التونسيين، تونس في السبعينات لا تقل رفاهية عن بقية الدول كرما وضيافة وأمناً وأماناً، واللباس التونسي كلمة قالها الضابط التونسي المسؤول «جزيري ولا بس تونسي»، وهي رمز المصير المشترك بين البلدين الشقيقين «الجزائر وتونس».
* كاتب وباحث لغوي كويتي
[email protected]