زين الشامي / نقاط الضعف في التحالف السوري - الإيراني

تصغير
تكبير
من يقرأ بتمعن تاريخ العلاقة السورية - الإيرانية منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 وحتى اليوم، فسيجد أن هذه العلاقة مرت بالكثير من المطبات والتعثرات والخلافات، لا بل حتى الصراع العسكري غير المباشر، حين خاض الطرفان معاركهما في لبنان في منتصف الثمانينات، وقتذاك دعمت طهران «حزب الله» الناشئ للتو من رحم حركة «أمل» الشيعية في ما دعمت دمشق حركة «أمل»، وقد خاض الحزب والحركة معاركهما بالوكالة في إطار لعبة الصراع الإقليمي من خلال الساحة اللبنانية، كانت إيران في تلك الحقبة تسعى إلى تصدير ثورتها وتبحث عن موطئ قدم وذراع عسكري ضارب لها في المنطقة العربية، في ما سورية كانت تنظر إلى لبنان على أنه ساحتها ومنطقة نفوذها الحيوية. ولم تحسم تلك المعارك إلا حين قررت إيران الانكفاء بعد الاقرار لدمشق بأنها اللاعب الأساسي في لبنان، تم ذلك حين أرسل الرئيس السوري السابق حافظ الأسد رسائل إيجابية لخصمه صدام حسين خلال الحرب العراقية - الإيرانية، وهو ما جعل طهران ترتعد خوفاً من خسارة حليفها العربي الوحيد في تلك الحرب. لم تقر وقتها إيران لسورية بأحقيتها في لبنان فحسب بل منحت دمشق الآلاف من براميل النفط المجانية يومياً مقابل أن تبقي على تأييدها لها في الحرب ضد صدام حسين والعراق.
ما نود قوله أن العلاقة ورغم أنها تبدو اليوم، علاقة تحالفية، إلا أنها تحتوي على الكثير من عوامل الاختلاف أيضاً، لكن ولأسباب كثيرة، يسعى الطرفان لكتمها وعدم اظهارها للسطح، وخاصة بعد أن وضعتهما إدارة الرئيس جورج بوش، بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، في «محور الشر» ثم أتى الاحتلال الأميركي للعراق وفرض عقوبات عليهما، ثم التهديد بإسقاط نظاميهما ليزيد من متانة تلك العلاقة، وعليه فإن الاحساس بالمخاطر الوجودية هو ما دفع إلى تكريس هذا التحالف والتكتم على الخلافات.
أما أبرز تلك الخلافات، بل ربما التناقضات، فهي تتعلق بمفاوضات السلام التي تجريها سورية مع إسرائيل منذ «مؤتمر مدريد» عام 1991 وحتى اليوم، حيث تخوض دمشق مفاوضات غير مباشرة عن طريق الوسيط التركي، وهنا معروف أن إيران غالباً ما عبرت عن امتعاضها من الدعوات المتكررة للرئيس بشار الأسد إلى السلام مع إسرائيل وإعلانه الاستعداد للاعتراف بإسرائيل، لأن هذا يتناقض مع نظرة ورؤى طهران للصراع مع «الكيان الصهيوني» لأن إيران - «الثورة» لا تعترف بشرعية ووجود إسرائيل، لا بل إن الرئيس محمود أحمدي نجاد، ومن قبله زعيم الثورة آية الله الخميني طالبا بإزالة إسرائيل بوصفها «سرطاناً».

أيضاً ورغم تلاقي دمشق وطهران وتحالفهما ضد الوجود الأميركي في العراق وسعيهما الذي لم يكل لإشعال الساحة العراقية ودعم المقاومة، إلا أن ثمة خلافات في النظرة للفسيفساء الطائفية العراقية وعلى مستقبل العراق ومن يحكمه، فكلنا يعلم أن طهران مرتبطة بمشروع طائفي في العراق من خلال دعمها لتنظيمات وقوى سياسية شيعية، في ما دمشق لا تتجرأ ولا تقدر على لعب هذا الدور بسبب التركيبة الطائفية السورية، لأن الغالبية من المسلمين السوريين هم من الطائفة السنية، وبالتالي لن تغفر هذه الطائفة لأي دعم سوري رسمي لمثل هذه التوجهات، وهذا بدوره لا يلتقي مع مبادئ حزب «البعث» العلمانية. ولذلك نرى النظام السوري مفترقاً عن طهران في رؤيتها للساحة العراقية ومستقبل الحكم فيها.
أما في ما يخص لبنان، ورغم دعم طهران ودمشق لـ «حزب الله» إلا أن ثمة اختلافات كبيرة هنا. إن سياسة إيران في لبنان تقوم على رؤية فحواها أن الساحة اللبنانية كلها هي جبهة للصراع مع خصومها، سواء أكان هؤلاء الخصوم عرباً، أم غرباً، أم صهاينة، كذلك وفي الوقت ذاته ترى طهران في لبنان ساحة للتفاوض مع الغرب على الملف النووي والدور الإيراني في المنطقة. أما بالنسبة إلى الرؤية السورية إلى لبنان فلا تزال أسيرة الماضي، وهي تقوم على أن لبنان هو ساحتها، ومجالها الحيوي، وخاصرتها، وإحدى أوراقها التفاوضية مع إسرائيل لإعادة هضبة الجولان، ومع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بغية تحسين العلاقة معهما. وأيضاً، يجب ألا ننسى أن السياسة الإيرانية في لبنان تقوم على دعم حليف شيعي واحد ممثلاً في «حزب الله»، في ما دمشق ترتبط مع الطوائف والقوى السياسية كلها. وهذه نقطة تسجل لمصلحة دمشق أمام طهران في إطار الصراع بينهما في ما لو حصلت خلافات مستقبلية.
أما كيف تعبر هذه الخلافات عن ذاتها، فيمكن ملاحظتها في حوادث وأحداث مثل تلك التي حصلت في دمشق منتصف فبراير بعد اغتيال عماد مغنية، المسؤول العسكري، والقيادي البارز في «حزب الله» اللبناني، ورجل إيران القوي في المنطقة، وقتها لاحظ جميع المراقبين كيف أن سورية رفضت السماح للاستخبارات الإيرانية بالمشاركة في التحقيق بالاغتيال، وكيف نقلت وكالة إيرانية من طهران عن زوجة مغنية تصريحات تتهم فيها دمشق بالوقوف وراء عملية الاغتيال. كذلك نرى تجليات هذه الخلافات في الصحافة الإيرانية مع كل حركة مد وجزر في المفاوضات السورية - الإسرائيلية.
وربما نراها مستقبلاً تتجلى بعودة إلى صراع مسلح سوري إيراني في لبنان في ما لو قبلت دمشق صفقة مع إسرائيل والولايات المتحدة يعود بموجبها الجولان إلى سورية مقابل ضرب «حزب الله» وإنهاء وجوده المسلح. بالطبع الحرب ستكون بالوكالة من خلال أطراف لبنانية وفلسطينية، إذ إنه من الصعوبة في مكان القبول لبنانياً ودولياً بعودة القوات السورية إلى لبنان.
زين الشامي
كاتب سوري
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي