نفسياسي

مريم... عندما تختلط الأفراح بالدموع!

تصغير
تكبير

لا بأس بالخروج عن المألوف في مقالاتي والحديث الشخصي أحياناً، فصراحة أحدثكم، بدأت أشعر بالألفة والقرب من قرائي الأعزاء حتى ولو لم أتشرف بلقائهم مباشرة، وقد تلقيت منهم طوال مسيرتي الصحافية المتواضعة الكثير من التقييم سلباً أو إيجابا حتى بت أعدهم وجريدة «الراي» أسرتي الثانية.
تلقيت العديد من الدعوات في السنوات الماضية للمساهمة والدعم المالي أو المعنوي لحفلات التخرج، لجملة من الثانويات العامة والكليات، لكنني كنت أعتذر عنها - بلطف حسب ما أعتقد - لسبب مبدئي وهو رغبتي في خوض الغمار السياسي، وإصراري على ألا تكون مثل هذه المناسبات فرصة للمرشحين لخطف فرحة أبنائنا الخريجين وذويهم، للتركيز على شخوصهم ومشاريعهم الانتخابية!
هذا العام، كسرت القاعدة، ولأسباب شخصية، فقد تخرجت ابنتي الكبرى «مريم» في الثانوية العامة، واعتبرت نفسي أحد الآباء المحتفلين بأبنائهم، مصراً في الوقت نفسه على مَنْ تكرم عليّ بالدعوة أن أجلب مريم معي للحفل أينما ذهبت قدر المستطاع، وأن أحضر ببدلة العمل، «مو بالغترة والعقال» محاولاً تذكير نفسي أنني مدرس في المقام الأول قبل أي طموح سياسي، رغم أنني مدرك أيضاً أن بعض الطلبة قد «ملوا» من مظهر البدلة والكرفتة التي تعودوا عليها في مدارسهم، لكنهم ولله الحمد تقبلونا بقبول حسن!
أن تركض بك السنون لتكتشف فجأة أن أبناءك أصبحوا «طولك»، وأنهم باتوا على أعتاب مرحلة الخروج من «عشك»، الذي حاولت على مدى عقود أن تحبسهم فيه خوفاً عليهم من تجربة التحليق بعيداً عنك، وحذراً عليهم من مآسي هذا العالم المتوحش، هو أمر غير هين، خصوصاً على مَنْ يمارسه للمرة الأولى نفسي، وهو في الوقت نفسه نذير للمرء منا بأنه بدأ «يشيب» حتى لو كان في بداية الأربعينات من عمره «زي حالاتي»، وللزمن أحكامه يا أصدقائي، فالزمن بدأ «يصير زمن أبنائنا وليس زمننا»!
نعم بكيت وبشدة عند نجاحها وفي حفل تخرجها، حتى «نجيبها من الآخر»، بكيت لنجاحها، وبكيت لأنني كنت أحتاج أن أرمي رأسي على كتف والدي يومها، ولكنه قد رحل عن دنيانا منذ زمن... فاستعضت عن كتفه بكف والدتي، التي «ملت» من «كثر» ما قبلته شاكراً وجودها في حياتي وأنها صنعتني، لأساهم بجزء صغير في صناعة مريم، التي هي «ماركة مسجلة» لأمها خلقاً وتربية بنسبة 99 في المئة، «عاد لا تصيرين طماعة يا أم يوسف»!
في حفل تكريم مريم كتبت لها هذه الأبيات على عجالة:
شكراً... ابنتي مريم
شكراً... للحلم الذي كنت أراه بعيداً... وما زلت به أحلم
ما كنت أخال هذا اليوم... سيسرع نحوي... مثل السهم
وأنا... لن أكذب يا مريم... فقد كنت به أعلم
لكني خفت... من شيئين
وأنا الذي يوما ما خاف.. ولم يهتم!
خفتُ.. أن أرى نفسي... كهلاً.. مثل إبراهيم والدي
هذا يقبل رأسي دوماً... وذاك يناديني يا عَمْ! كبرنا
أما الشيء الثاني يا مريم
فهو غيابك عن عشي
حين يحين وقت رحيلك
ويبقى أبوكِ... يعاني اليُتْم!
قد جربت رحيل الأب
لكن رحيلك يا مريم
لن يجبره إلا الله
فالله الجابر لما يؤلم
شكراً... ابنتي مريم
وداعاً... ابنتي مريم!

alkhadhari@gmail.com
Twitter: @dralkhadhari

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي