لاهاي الهولندية المدينة التي أعلنت نفسها «عاصمة لضمير العالم ورمزا للسلام والعدالة»

u0645u062du0643u0645u0629 u0627u0644u0639u062fu0644 u0627u0644u062fu0648u0644u064au0629 u0641u064a u0644u0627u0647u0627u064a
محكمة العدل الدولية في لاهاي
تصغير
تكبير
أمستردام، بلغراد - د ب ا - ليس ثمة شك في أن مدينة لاهاي الهولندية فرضت نفسها بقوة وثبات على الخريطة العالمية في صيف عام 2008 كمدينة دولية للسلام والعدالة.
ففي يوليو الماضي، طلب لويس مورينو أوكامبو، رئيس الادعاء العام بالمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي من المحكمة إصدار أمر اعتقال ضد الرئيس السوداني عمر حسن البشير. وكان أمر الاعتقال هذا هو الأول من نوعه الذي يصدر بحق رئيس دولة يمارس مهامه وسلطاته بالفعل، وذلك بعد إدانة الرئيس اليوغوسلافى الراحل سلوبودان ميلوسيفيتش الذي وافته المنية قبل الانتهاء من وقائع محاكمته في لاهاي.
وبعد ذلك بأيام قليلة، وعلى وجه التحديد في 18 يوليو، أكد المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة في لاهاي أن ما أعلنته جمهورية صربيا بشأن نبأ اعتقال رادوفان كارادزيتش في بلغراد، زعيم صرب البوسنة السابق، الذي كان مطلوبا لارتكابه جرائم إبادة وجرائم أخرى ضد الانسانية.

وكان ألقي القبض على كارادزيتش، وهو طبيب أمراض نفسية بحكم الدرجة العلمية الحاصل عليها، في إحدى الحافلات العامة في بلغراد بعدما ظل متخفيا طيلة 12 عاما استخدم خلالها اسما زائفا هو دراجان ديفيد دابيتش فضلا عن هوية زائفة أخرى كمعالج من الأمراض بالطب البديل.
وما هي إلا أسابيع حتى شاهد العالم زعيم صرب البوسنة السابق وقد مثل أمام المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة في لاهاي حيث بدا بوضوح أنه بلغ من العمر عتيا وصار أكثر نحافة عما كانت عليها الحال خلال آخر ظهور علني له ابان حرب البلقان في التسعينيات.
بيد أنه كان حتما هو الرجل ذاته الذي لعب دورا رئيسيا في الصراع العنيف الذي تفجر آنذاك في جنوب - شرقي أوروبا.
ورغم أن كارادزيتش كان واحدا من أكثر المطلوبين لدى المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة، فإن تسليمه إلى المحكمة لم يكن كافيا لإعفاء بلغراد من دور الشخص الشرير الذى قامت به في تفكك يوغوسلافيا السابقة الذى اتسم بالعنف.
من جانبها، قالت هولندا التي يوجد بها مقر المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة، إنها لن تساند أبدا محاولة جمهورية صربيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي ما لم تسلم راتكو ملاديتش، القائد العسكري الصربي السابق إبان حكم كارادزيتش.
إذ ان ملاديتش هو المسؤول عن ارتكاب مذبحة سربرينيتشا التي أودت بحياة 8000 بوسني مسلم في عام 1995 جرى إعدام معظمهم من خلال محاكمات سريعة بعدما اجتاحت القوات الصربية هذه المدينة، التي كانت ملاذا آمنا تابعا للأمم المتحدة وكان من المفترض أنها تحت حماية قوات هولندية في ذلك الوقت.
وفي إطار هذه العملية، ألحق ملاديتش صنوف الذل والهوان بهولندا، إلى حد أنه أطيح بالحكومة الهولندية في النهاية عام 2002 من جراء تداعيات حصار ومذبحة سربرينيتشا.
وفي ضوء هذا كله، وحتى لو أبدت الكثير من دول الاتحاد الأوروبي استعدادها للتغاضي عن تلك الجرائم والسماح بتوثيق العلاقات مع صربيا، فإن لاهاي، التي تمثل الحكومة الهولندية فضلا عن اعتبارها مدينة للعدالة الدولية، لن تسمح بحدوث ذلك من دون اعتقال ملاديتش.
والحقيقة أن هذا الموقف القوي من جانب هولندا، مقترنا بمثول كارادزيتش أمام المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة والذي اجتذب اهتمام الملايين من مشاهدي التلفزيون في أنحاء العالم، كان ينطوي على رسالة موجهة إلى العالم مفادها أنه حتى لو طالت السنين فإنه لا بد وأن يتوقع هؤلاء ممن يشتبه بارتكابهم جرائم حرب وأخرى ضد الانسانية مثولهم بين يدي العدالة في لاهاي.
ومن المؤكد أن اعتقال زعيم صرب البوسنة السابق ونقله فيما بعد إلى لاهاي يشكل نقطة تحول مهمة بالنسبة لصورة القانون الدولي، والذي غالبا ما ينظر إليه باعتباره عاجزا ولا حول له ولا قوة.
في الوقت نفسه، فإن محكمة العدل الدولية، وهي أعلى محكمة تابعة للأمم المتحدة والتي تأسست عام 1945 للفصل في القضايا الدولية محل النزاع بين الحكومات، رسخت بنجاح من مكانتها عندما وجهت تأنيبا رسميا إلى جورجيا وروسيا في أكتوبر الماضي.
وفي نوفمبر الماضي، قضت المحكمة نفسها بأنه لديها السلطة القضائية التي تخول لها سماع دعوى أقامتها كرواتيا والتي تتضمن قيام جمهورية صربيا بارتكاب جرائم إبادة ضد سكانها في الحرب التي استمرت من 1991 إلى 1995.
ومع مثل هذه القضايا التي تحظى باهتمام عالمي واسع، فإن المحاكم الدولية لم تظهر فقط دورها المتنامي في صراعات بعينها تفجرت عام 2008. ورغم الانتقادات التي ما زالت قائمة حيال فعالية هذه المحاكم في ما يتعلق بالقضايا الفردية، فإنها ساعدت أيضا في إيصال إشارة تقول انه في لاهاي لا توجد دولة فوق القانون.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي