كبرت وتعلمت!
عندما كنا أطفالاً، كانت أحلامنا حينها لا تتجاوز أحلام العصافير، سواء باقتناء لعبة أو التنزه بفسحة أو حتى بتحقيق حلم بسيط؛ كنا إذا سألنا أحدهم: ما هو حلمك؟ نجيب وبلا تردد: أحلم أن أكبر بعمري. فهل كبرنا ووعينا ماهيّة الحياة بشكل صحيح أم أنّه مجرد عدّاد للعمر يعُدُّ بلا تطور أو فهم عقلاني للحياة.
الكثير منا يفكر في الحياة من منظور عقلاني ويحاكي نفسه بعبارات ربما تكون غريبة لدى البعض الآخر لكي يستوعبها، ولكنها عبارات تُراودنا بين الحين والاخر وصحيحة كمن يقنع نفسه بأنه كبُر وتعلم من الحياة دروساً وعبراً تجعله يتفادى الوقوع في الأخطاء ذاتها مرة أخرى، فهل كبرنا فعلاً وأصبح باستطاعتنا أن نعيَ بأن الكتاب قد يختلف عن عنوانه، وأن المظهر ليس دليلا قاطعاً على الخبرة والوجاهة! وأن رضا الناس ليس بالغايةِ أصلا! وهل تعلمتَ يا أنا بألا تكون تابعا لأحد كي لا تُعَدَّ إمّعة فاحترم عقلي وفكري وقلمي ومبادئ وقيمي التي رُبّيتُ عليها ولأجلها؟ وهل اقتنعتَ يا أنا بأن اليد الواحدة تفعل الكثير في مهب الريح بكل قوة وثبات وعزيمة!
وهل تأكدت من مقولة ان فاقد الشيء يعطيه ببذخ وسخاء لأنه أدرى الناس بمعنى الفقدان والحرمان وهل تعلمت بأن القوة لا تعني الصلابة والطيبة ليست غباء كما يدعون، وهل تعلمت يا أنا أنه باستطاعتك أن تشتري لحافا آخر لتمُدّ قدمك عليه كما تريد! لقد تعلمت من سفري وترحالي أن الحمل الخفيف دائماً يسهل الرحلة وما دمنا جميعا نؤمن بأننا سنرحل يوما ما في رحلة، قد تطول أو تقصر، فلماذا نحمل أثقالاً من الأخطاء والبغضاء و الحسد وحب الذات والسيطرة والانانية والحقد؟ لا بأس بان تبالغ في أحلامك فلربما تحققت يوما ما... وتماما كما حلمت.
ماهياتُ الحياة كثيرة وعديدة والتساؤل المهم هو: هل استوعبنا ماهية الحياة بشكل صحيح، أم أننا نعيشها على مبدأ «هونها بتهون وعيشها بكره أحلى»، أن تكبر دون أن تتعلم ماهية الحياة فهو حتما أكبر خطأ تتخذه بحق نفسك قبل أي شيء آخر، وهل التجاوز بالحياة يعتبر قوة أم ضعفا، أحياناً علينا أن نتعلم كيف نتجاهل كل ما يسبب لنا ألما ؛ وكيف نعتمد على أنفسنا من دون انتظار مساعدة من أحد... نتعلم ألا نقف على الهامش في حياة أحد، نتعلم ونستوعب ألا أحد يدوم لأحد، نتعلم أن الحياة فيها حزن وفيها فرح، ستواجه في الحياة صعوبات أو أحداثا مؤسفة قد لا تجد لها تفسيراً أو حلولا ربما تتألم وتضيق بك الاتجاهات والأبواب، ولكن اعلم أن كل ما واجهته له جانب مشرق لا يعلمه إلا الله.
هنالك جملة كانت ترددها جدتي على مسمعي منذ عشرات السنين ؛ وهي لا تعلم أنني خبأتها منذ ذلك الحين في ذاكرتي البعيدة التي ألجأ إليها للتخفيف كلما عصف الزمان بي بأمر عصيب ؛ «يا ابنتي الزمن كفيل بكل شيء»؛ كلنا أصابنا جرح ممكن أن يكون قد ترك ندباً لا تزول ولكن كل وجع سيزول مهما بلغت شدة تعمقه وتعبه؛ كثيرة هي الأشياء التي آلمتنا، ولكن ما قاسيناه بات الآن في طي النسيان؛ إن أردت أن تسعد فلا تقف عند كل محطة ولا تجعل من كل موقف معركة، ولا تدقق على من حولك، ولا تنبش ما غطي، ولا تفتح ما أقفل، ولا تداهم النوايا، ولا تحرص كل الحرص على معرفة أدقّ التفاصيل، خذ من الناس ما ظهر لك منهم من خير، ولا تنبش باحثاً عن عيب، دع الخلق للخالق ودع الحياة تسير؛ وكن قويا بالله لا تنكسر ولا تنحني ولا تستسلم لهزيمة مهما كانت عواقبها وخيمة؛ انتصر على ضعفك وتخط وجعك ولملم ألمك فلن يمسك بيدك أحد ولن يتوقف لأجلك الزمن برهة ؛ ولا يعنيك بأن يفهمك الناس فأنت باختلافك مميز، فلا تستنزف طاقتك لأن معظم الناس لا تفهم إلا ما تعرف ويربكها الاختلاف؛ لذا عانق الأمل وأسند روحك بالايمان والعزيمة والقوة، فما دام قلبك ينبض فان لديك متسعا من الوقت لكي تصنع الفرح؛ فالابتسامة دواءٌ سحريٌّ للنفس وللمحبِّ وللمبغضِ على حدٍّ سواءٍ، وهي لا تكلّف شيئاً، فلماذا نبخل بها؟ لنبتسم ولنسرق من الحياة بسمة ولا نكترث لشيء، فلسنا الا راحلين نبتغي طيب الأثر.