تفصلنا أيام قليلة عن إعلان الحكومة المقبلة الجديدة، والتي سيعاد تشكيلها بعد استقالة الوزارة على خلفية الاستجواب الذي قدم لرئيس الوزراء، ويشاركني الكثيرون بأن إعادة التشكيل ليس حلاً للأزمات السياسية المستمرة، بل هو بمثابة حقن مهدئة، سرعان ما يزول أثرها، فتبرز على الجسد آلام المرض الحقيقي من تأزيم وتصعيد وفشل في أسلوب المعالجة وعودة من جديد للمربع الأول. كما أنه من غير المعقول التفكير أو المضي بعلاجات وقتية غير مدروسة أو معروفة عواقبها كحل البرلمان وإعادة الانتخابات، والذي لا يختلف في أثره عن إعادة تشكيل الوزارة، أو ما يدفع به مؤسسات الفساد بالخروج على الدستور وأحكامه وتعطيل أعمال المجلس والذي أشبهه بتعاطي المريض بالسمنة لحبوب الرجيم المستوردة بصورة غير مشروعة من تايلند، والتي تسببت في حالات عدة بانهيار الجسد أو الموت، والعياذ بالله!
لقد شخص العديدون من أبناء هذا الوطن في مناسبات عدة الأمراض السياسية التي اعترت التاريخ السياسي الحديث للكويت من اختلال في أدوار الأسرة الحاكمة وبروز الصراعات بين أجنحتها وأفرادها، ومعاناة النظام السياسي لإشكالية الازدواجية بين النظامين الرئاسي والبرلماني في الحكم، ومروراً بغياب النظام الحزبي الذي يساهم في ترشيد الحياة النيابية والحكومية، وتراجع كبير في مهارات إدارة الشأن السياسي، كغياب التخطيط الاستراتيجي وضعف البناء والعمل والأداء المؤسسي في بنية الحكومة والمجلس، وتراجع دور القوى والكتل والنخب السياسية والبرلمانية والمجتمعية في العمل المشترك وقيادة مسار الإصلاح السياسي، وأدى ذلك كله، وغيره، إلى نمو ظواهر جديدة، كالصراعات والخلافات والاستجوابات التصعيدية غير المفهومة، وتشويه القضايا والمواقف والشخصيات العامة، تجاوزت فيها القيم والمبادئ الدستورية والسياسية وتراجع فيها دور الدولة لمصلحة أصحاب النفوذ والأجندات الخاصة.
ويأتي بنا المطاف إلى السؤال الأكثر مبادرة بالطرح: أين المخرج؟ وما هو الحل السحري للداء السياسي المستحكم في جسد الأمة؟ ولعل الاجابة بأننا جميعنا مسؤولون عن هذا العلاج وإيجاد المخرج من المأزق، فالكويت مسؤولية الجميع من أسرة حاكمة إلى حكومة ومجلس الأمة، إضافة إلى تيارات سياسية ومجتمع مدني وإعلام مرئي ومكتوب وأفراد الشعب الكويتي، كل له دور في الدفع بالإصلاح. ولعلني أضع عدداً من الأفكار والمقترحات التي أرى أنها مقدمة لتبني مشروع متكامل جاد للإصلاح السياسي على النحو التالي:
- دعم الحاكم والمحكوم للحياة الديموقراطية والدستورية وإنهاء حال التردد في تبني الديموقراطية والسعي إلى تطويرها، وفقاً للمبادئ والآليات التي نص عليها دستور 1962.
- مبادرة أسرة الصباح الكريمة بتشكيل لجنة داخلية متخصصة تُعهد إليها مهام التطوير والتأهيل للقيادات من أبناء الأسرة، والتوفيق والتحكيم لمعالجة أوجه الخلافات لديها.
- تعزيز جوانب العمل المشترك بين التيارات والقوى السياسية والمجتمعية في إطار توافر آليات ونظم مؤسساتية للاستمرارية وإدارة العمل المشترك، وفقاً لضابط العمل بالمشتركات وتقدير حالات الاختلاف.
- ضرورة قيام مشروع وطني وخطة عمل استراتيجية للإصلاح السياسي يُقاد من المجتمع المدني، والعمل على تبني خطوات ومواقف محددة في القضايا التالية:
1 - تبني النظام البرلماني الحاكم في إدارة الدولة.
2 - العمل على تنظيم وإشهار الهيئات السياسية.
3 - دعم وتشجيع الحريات السياسية والفكرية في إطار القواعد الدستورية.
4 - تفعيل أدوار مؤسسات المجتمع المدني، خصوصاً في مجال نشر الوعي الدستوري والديموقراطي.
5 - تبني مشاريع محددة لتعزيز الوحدة الوطنية والنسيج الاجتماعي.
6 - تبني مشاريع محددة لتعزيز التنمية ومواجهة الفساد.
7 - دعم وتعزيز دور المؤسسات القضائية والرقابية.
لقد أشرنا في مقالنا السابق إلى التحدي أمام رئيس الحكومة الجديدة على تبني حكومته لمشروع وطني للإنقاذ والإصلاح، ونحن هنا، وبعيداً عن سياسة الحقن المهدئة، ندعو جميع أطراف الساحة السياسية لتبني مشاريع جذرية للإصلاح السياسي، ورفض الحقن أو العلاجات الموقتة، لمصلحة البلاد والعباد.
محمد الدلال
كاتب كويتي
[email protected]