علي محمد الفيروز / إطلالة / خطة انقاذ صناعة السيارات الأميركية

تصغير
تكبير
تواجه كبريات شركات صناعة السيارات الاميركية خطر الانهيار الكامل واشهار افلاسها ويحلق مئات الآلاف من موظفيها خطر فقدان وظائفهم الصناعية، الامر الذي جعل البيت الابيض و«الحزب الديموقراطي» في الكونغرس مجبرين على البحث عن وسيلة لاتمام خطة انقاذ صناعة السيارات لـ «جنرال موتورز»، «كرايسلر» و«فورد»، وغيرها لتكون قادرة على الاستمرار ولكن كما يقال «تجري الرياح بما لا تشتهي السفن»، فلم يستطع مجلس الشيوخ اقرار خطة الانقاذ العاجلة البالغة قيمتها 15 مليار دولار كقروض قصيرة الاجل بسبب تعثر المحادثات وعدم توصل الحزبين إلى اتفاق مرضي، فــ «الحزب الديموقراطي» المسيطر على مقاعد الكونغرس بغالبية 100 عضو يريد التزاما جادا من شركات السيارات مبني على تغيير اسلوب ادارتها وفق خطط عمل محددة لتسيير اعمالها المالية مع موافقة الحكومة على تقديم مساعدة مالية تقدر بـ 34 مليار دولار، مرفقة معها مسودة بطلب تقديم قروض في وقت لاحق للخروج من ازمة السيولة، ولن يسمح من خلال هذا الاتفاق تقديم اي حوافز مالية للمسؤولين الكبار او المديرين في الشركات المصنعة، كما يتضمن مسودة الاقتراح بقانون على ان يكون 31 مارس المقبل الموعد النهائي لتقديم الخطط المطلوبة بطريقة اكثر تفصيلية من حيث التكلفة والاصلاح بعد الحصول على القروض المطلوبة. هذا وقد اكد الرئيس الاميركي المنتخب باراك حسين اوباما، الذي يعتبر اكثر الرؤساء الاميركيين تعاطفا مع مشاكل شركات السيارات وقال: «على رؤساء شركات السيارات ان يغيّروا اسلوب عملهم المعتاد لكي يستطيعوا الاستفادة من الدعم الحكومي والا ... فليستقيلوا!».
واضاف: «نريد صناعة سيارات تفهم بانها لا يمكن ان تواصل عملها الصناعي بالطريقة نفسها الآن»، ووجه الرئيس اوباما كلامه لمسؤولي صناعة السيارات في مؤتمره الصحافي وقال: «اذا كان المسؤولون الحاليون لا يدركون جسامة الوضع ولا يريدون ان يتخذوا خيارات صعبة من هذه الظروف الحالية، عليهم إذا ان يرحلوا!» اما ان كانوا قادرين على ذلك وابدوا التزاما وتفهما بالقيام بتغييرات مهمة، حينئذ سيكون الامر بالطبع مختلفا... وهي اشارة من الرئيس اوباما على استعداده بتقديم طرق المساعدة كافة في حال تفهم قطاع السيارات المطلوب منها كتغيير النهج او اعادة هيكلة القطاع، خصوصا فيما يخص استثمارات دافعي الضرائب فضلا عن استحداث منصب حكومي جديد تكون مهمته الاشراف على خطة انقاذ صناعة السيارات وملحقاتها، ومنصب حكومي آخر لحماية البيئة حتى تكون هذه الشركات اكثر صلابة ولا تتعرض إلى اي انهيار في المستقبل، واللافت للنظر هنا ان المشرع «الديموقراطي» الذي اعد صياغة مشروع القانون لخطة الانقاذ قد حث الرئيس جورج بوش والرئيس المنتخب باراك اوباما على المساعدة في حشد اكبر عدد من النواب «الديموقراطيين» و«الجمهوريين» لتمريره حتى لا تتفاقم الخسائر الا انه لم ينجح في ذلك لعدم التوصل إلى حلول مرضية بين الطرفين، بينما هناك اتفاق مبدئي اخر على ان تأتي اموال الانقاذ من صندوق انشأته وزارة الطاقة الاميركية في سبتمبر الماضي لمساعدة ولاية ميشيغان «ديترويت» وهي قلب صناعة السيارات الاميركية حتى ينتعش سوق السيارات هناك وبالتالي يتم القضاء نسبيا على شبح البطالة. وفي السياق نفسه واصل النفط تراجعه في الاسواق العالمية بسبب فشل مجلس الشيوخ الاميركي في اقرار هذه الخطة ووصل هبوطه دون الـ 45 دولارا للبرميل الواحد وهذا يعني ان الخلاف الاميركي حول اقرار خطة الانقاذ يجب الا يستمر ووجوب التوصل إلى حل قريب اصبح مطلبا ملحا تماشيا مع التحركات الدولية لمواجهة الركود الاقتصادي العالمي، الذي ضرب العديد من المؤسسات المالية الاميركية إلى درجة ان الحكومة لم تعد قادرة على موازنة مداخيلها ونفقاتها، إذ ان مصادر اميركية تؤكد على ان 43 ولاية اميركية تواجه عجزا حقيقيا في الموازنة في العامين الحالي والمقبل الامر الذي جعل الحكومة تخفض من نفقاتها المالية، مع التفكير في رفع الضرائب والرسوم حتى يتم تحقيق التوازن في الموازنات المالية لهذا العام ومواجهة العجز المحتمل في العام 2010 م. يذكر ان 250 الف شخص هم مجموع العمالة التي تعمل في قطاع الشركات الثلاث الكبرى للسيارات المعروفة في الولايات المتحدة فضلا عن الوظائف الاخرى الموجودة في الفروع الاخرى المتصلة بها كصناعة المعدات وقطع الغيار والتي يبلغ مجموعهم 100 الف عامل، لذلك نرى من الصعب جدا ان تهدد هذه الشركات باشهار افلاسها ما لم يتم التوصل إلى اتفاق في مجلس الشيوخ الاميركي حيث يمثل قطاع انتاج السيارات الاميركية مصدرا مهما للنشاط الاقتصادي والتوظيف، فكيف سيكون الحال ان سقطت هذه الشركات الثلاث الكبرى وفقدت الآلاف من موظفيها، بالتأكيد ستكون كارثة مقبلة على مصدر ثروتها وعلى الاقتصاد الاميركي الذي يعاني بالفعل كسادا.
بين فترة واخرى تتراجع اسواق المال الاميركية والاوروبية والآسيوية وسط قلق شديد حول نتائج الاقتصاد العالمي والازمة المالية العالمية، الامر الذي ادى إلى انخفاض اسهم السيارات الآسيوية كاليابان وكوريا الجنوبية والهند والصين وكذلك الحال بالنسبة لاسهم السيارات الاوروبية إلى نسبة 18 في المئة او اكثر. مصدر في البيت الابيض الاميركي يؤكد استعداده للجوء إلى اموال مودعة في النظام المالي البالغة خطته 700 مليار دولار في حال رفض مجلس الشيوخ الاميركي على الخطة الجديدة لانقاذ الشركات الثلاث الكبرى وذلك تجنبا لافلاسها بعد تاريخ حافل بالانجازات، إذا تتجه الانظار في العالم إلى ما سيتوصل اليه مجلس الشيوخ الاميركي من نتائج حول هذا الامر، في حين اعرب الرئيس الاميركي المنتخب باراك اوباما عن خيبة امله لفشل خطة انقاذ قطاع صناعة السيارات على الرغم من المحاولات الحثيثة، داعيا الادارة المنتهية ولايتها والكونغرس إلى ايجاد طريقة حاسمة لتقديم المساعدة الموقتة حاليا من دون تأخير، ولكن يبقى السؤال هنا: هل سيحصل مشروع القانون الذي تفاوض عليه «الديموقراطيون» وادارة الرئيس جورج بوش لانقاذ صناعة السيارات على اغلبية ساحقة من النواب من جديد، ام ان الاستعانة الفورية بأموال برنامج الانقاذ المالي هو الذي يشكل الخيار الاوحد لوسيلة الانقاذ؟

... لكل حادث حديث.
علي محمد الفيروز
كاتب وناشط سياسي كويتي
3lfairoux61_alrai@yahoo.com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي