خلال محاضرة ألقاها في رابطة الأدباء الكويتيين
باسل الزير: تهمة الحلاج التي أودت بحياته... سياسية
أقامت رابطة الأدباء مساء أول من أمس على مسرح الدكتورة سعاد الصباح - ضمن موسمها الثقافي الجديد - محاضرة ألقاها الباحث باسل الزير عنوانها «الحلاج بين النص والتأويل»، وأدارها الكاتب علي الحبشان.
وتعرّضت المحاضرة لسيرة الحلاج وما أثاره من جدل أدبي وديني من خلال أشعاره وكتاباته النثرية، والمحن التي واجهته من وراء ذلك، كما كشف عن الكثير من الحقائق والفرضيات من خلال قراءته المتأنية للتاريخ الذي عاصر الحلاج، والافتراءات التي لاحقته وأودت بحياته بسبب آرائه السياسية.
والحبشان في تقديمه للمحاضرة أوضح أن الحلاج من أعلام التصوف، وأن الجدل حول كتاباته لا يزال موجوداً إلى وقتنا هذا، كما أثيرت حوله السجالات الأدبية، وأن نزعته الصوفية أثرت في قصائد الشعراء، خصوصاً الذين عاشوا في ستينات القرن الماضي مثل صلاح عبد الصبور وعبد الوهاب البياتي ونجيب سرور وغيرهم الكثير، ممن تطرق في قصائده إلى مضامين التصوف.
وأكد الزير في استهلال محاضرته أن الحلاج كان ولا يزال نبأ عظيماً في نصوصه الأدبية الشعرية والنثرية، مشيراً إلى دراسته التي نال بفضلها درجة الماجستير عن الحلاج، وأنه أجرى دراسة مستفيضة عن الذين كتبوا أو قدموا دراسات حول الحلاج فوجد أن أكثر من 70 في المئة كانت تدور في الدائرة الأدبية للحلاج وليست الصوفية، ليصفه بالأديب والفيلسوف والمتصوف.
كي يذكر حكمة: «لا تستوحشوا طريق الحق لقلة سالكيه»، وقال: «في حكمة (التاريخ يكتبه المنتصرون) نقص، فالمنتصر لا يكتب التاريخ فقط، بل يكتب العقائد والسياسة والأحكام، ويصنع توجهات الرأي العام. فلن تفهم التاريخ ما لم يكن لك فقه يفهم المجمل من المبين، واللفظ الكلي المشكك من الجزئي، والعام من الخاص، والناسخ من المنسوخ، ولن تفهم الفقه ما لم تعرف التاريخ وأيام الناس، لذلك قال إمامنا الشافعي: (جلست عشرين سنة أدرس أيام الناس)، بما يسمى بفقه الواقع الاجتماعي النفسي، فالناسُ على دين ملوكهم، وقلما نجد من يخرج عن الروايات الرسمية، وكتابة الأحداث اليومية عن زمام السلطة. وأكاد أجزم بأنه ليس هناك شخصية مثيرة، تحمل في طياتها إشكالية كبيرة كالحلاج، بين من يرفعه لرتبة التقديس، ومن يضعه في مرتبة الزندقة، ولكن من يضعه في خانة الكفر أكبر، ومن يرى سوء معتقده وزندقته أشمل وأعظم، وآية ذلك أنك ما أن تفتح سيرته في أي مجلس كان، إلا ويقرع سمعك كثرة المشنعين عليه والناقمين فيه، وما ذلكم إلا عن رواية السلطة التي كانت ناقمة عليه».
وكشف الزير أن الذي دعاه لهذه المحاضرة أن الناس ناقمة على عرض مسلسل رمضاني عن الحلاج، بينما لم تكن هذه الغضبة على مسلسلات سابقة كالحجاج بن يوسف، والزير سالم، وغيرهم من الذين قتلوا وظلموا الناس، بينما الحلاج لم يقتل نفساً واحدة في حياته، بل قتل مظلوماً. وأضاف: «من مهمتي كباحث، أن أُميط اللثام عن حقيقة تلك الشخصية - خصوصا - حينما تجد أنه بريء براءة الذئب من دم يوسف، وأن غالبية علماء عصره - خصوصا الحنابلة - وقفوا معه وقُتلوا معه، كابن العطا الحنبلي والحسين بن حمدان، ونشروا كتبه، وهم يؤكدون أن الحلاج كان حافظاً لكتاب الله، صوّاما قوّاما، حج ثلاث مرات، وما كان قتله إلا لدواع سياسية لا دينية حيث جعل الدين مطية لقتل المعارضين».
واستطرد قائلاً: «قبل أن أسوق روايات الذين أيدوه ونصروه من علماء المسلمين، سأبدأ أولا برأي شهود العيان، من الأسانيد المتصلة ممن عاصروه.. حيث إن هناك 91 مؤيدا للحلاج بينهم امرأتان، و26 معادياً ومخالفاً له. بل وتجد ابن عقيل الجنبلي (448هـ) ألف كتاباً في الدفاع عن الحلاج أسماه (الانتصار) والولي الصالح سيدنا عبد القادر الجيلاني 561هـ الحنبلي، دافع عنه بالقول: عثر الحلاج ولم يكن في زمانه من يأخذ بيده، ولو أدركته لأخذت بيده»، وأحمد بن المقرب الكرخي الحنبلي (563هـ) والعلامة مرعي الكرمي الحنبلي في كتابه (سلوك الطريقة في الجمع بين الشريعة والحقيقة)، ينتصر ويتأول للحلاج، والشيخة الحنبلية زينب الكمالية، والشيخة الحنبلية عائشة المقدسية (816هـ) وغيرهم، فهذا غيض من فيض من السادة الحنابلة الذين دافعوا عنه... فلو كان المسلم له قول واحد يحمل للإيمان، وبضع وسبعون وجهاً يحمل للكفر، لحملناه على الاسلام، فما بالك بمن أقواله تنضح بالتوحيد والتنزيه، وتدافع عن الدين».
وأنه قيل يوماً لأبي تمام: لماذا تقول ما لا يُفهم فقال لماذا لا تفهمون ما يُقال؟!
وأضاف الزير: «يقول إبراهيم بن شيبان: دخلت على ابن سريج - شيخ الشافعية في عصره - يوم قتل الحلاج فقلت: يا أبا العباس ما تقول في فتوى هؤلاء في قتل هذا الرجل. قال: لعلهم نسوا قول الله تعالى «أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله».
وقال الواسطي: قلت لابن سريج: ما تقول في الحلاّج. قال: أما أنا أراه حافظاً للقرآن عالماً به ماهراً في الفقه عالماً بالحديث والأخبار والسنن، صائماً الدهر قائماً الليل يعظ ويبكي ويتكلم بكلام لا أفهمه، فلا أحكم بكفره.
علما أنه أقعدوا له ثلاثة مجالس بالقضاة، والأغلب مجمع على براءته حتى أتوه بأحد المقربين للسلطة فحكم بردته، وكانت تهمة سياسية ثورية، وقتل معه ثلة ضد الثورة على الدولة. أما من علماء المسلمين فنجد حجة الإسلام الغزالي الشافعي (505هـ) من المدافعين عنه، وقاضي القضاة الهمداني الشافعي، والفخر الرازي (606هـ) واليافعي (760هـ)، وكمال الدميري الشافعي (808هـ)».
وختم بقوله: «المؤمن يلتمس المعاذير، والمنافق يتبع العيوب».