فيصل فالح السبيعي / الرأي المختلف / دورة طاحنة جداً!
19 ديسمبر 2008
12:00 ص
2846
المؤشرات تقول إن دور الانعقاد المقبل لن يكون أقل عنفاً وسخونة عن سابقه في ظل التصعيد المتوقع من الأعضاء وتفاقم القضايا المطروحة على الصعد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ولا سيما قبول استقالة الوزراء وإعادة تكليف رئيس مجلس الوزراء، إلا أن قدرة المجلس على إحداث تغييرات ملموسة تبدو محدودة في ظل التوازنات القائمة.
ورغم ما يردده البعض من أن غالبية النواب قد تم تهديدهم بحل مجلس الأمة وترويضهم في الجلسات الأخيرة التي عُقدت بعد تقديم استجواب رئيس مجلس الوزراء، إلا أنه ينبغي الاعتراف بأن الضغوط التي تعرض إليها النواب في وسائل الإعلام المختلفة أحدثت نوعاً من الإرباك والتخبط من قبل مقدمي الاستجواب والحكومة لأن الإعلام إذا تم توجيهه بطريقة غير عادلة وعدم حيادية بالطرح يكون سماً، إذا نفث سمومه. وقد أدى ذلك بمقدمي الاستجواب إلى التمرد وإثبات الذات والموقف، ومقابلة هذه الهجمة بتكتيكات، ومجاراة هذا الإعلام، وعدم استسلامهم وتفنيد استجوابهم للجماهير والإعلام، وعدم خسارة قواعدهم وتوضيح الصورة المشوهة التي رافقت هذا الاستجواب. والأهم من ذلك أن بعض النواب نجحوا في الحصول على مستندات ووثائق مهمة سوف يتم استخدامها في دعم الاستجواب المثير، وحصد المؤيدين لكل من الحكومة والسلطة التشريعية لكبح ردود الفعل العنيفة في الشارع الكويتي، وهي ردود مشحونة ومستغربة وتساعدها جميع الوسائل الإعلامية المختلفة!
واستخدام الاستجوابات بطريقة مستمرة والتلويح بها أصبحت سمة وعرفاً بما أفقد مجلس الأمة دوره الريادي.
وأداة الاستجواب لا غبار عليها، ولكن يجب أن تُستخدم بصورة فيها تأنٍ، مع دراسة الاستجواب بتعمق وتكون المادة تستحق تقديم الاستجواب لا أن تمارس هذه الأداة بتعسف، وليس المقصود هو استجواب رئيس مجلس الوزراء، وإنما أصبحت أحياناً تُستخدم بتعسف فاضح في الضغط والتهديد من أجل مآرب ومصالح وأجندات خاصة وضياع وقت ومهاترات وترك الشأن العام وعقارب الساعة تتسارع والخاسر الكبير الوطن والمواطن!
ومع ذلك لابد من الاعتراف بنجاح الحكومة في استقطاب عدد من الأعضاء بعد مشروع الاستجواب الأخير، الذي سقط، إذ يلعبون الآن في الملعب من دون خصوم ويحققون المزيد من المكتسبات الخاصة، وسيواصل هؤلاء فرش البساط أمام بعض السادة الوزراء لعرض إنجازاتهم.
ورغم أن الغالبية تبدو واثقة من موقفها هذه المرة، إلا أن ما يحدث تحت السطح الآن يستوجب قدراً من الجدية والاهتمام، خصوصاً مع إبرام اتفاقات تحت الطاولة مع بعض التيارات الإسلامية والليبراليين والمستقلين لدعم تنسيق المواقف والتأييد واستثمار التذمر الشعبي السائد حالياً والظروف الإقليمية والدولية الراهنة، والخوف من حل مجلس الأمة، لأن قياديي بعض التيارات الإسلامية قد أخفق مرات عدة في الانتخابات، وأصبحت هذه الفرصة مواتية في ظل الدوائر الخمس، التي أفرزت بعض الأعضاء، وكان مستحيلاً أن ينجحوا في ظل الدوائر الخمس والعشرين.
والمتابع يجد أن بعض التيارات الإسلامية قد انحرفت عن مسارها الصحيح ماعدا ثلاثة فرسان أكاديمين مازالوا ينتهجون خطاً واضحاً ولم تتزعزع مبادئهم ولهم قاعدة عريضة من الجماهير لمواقفهم الصلبة والحقيقية... وبعض أقطاب هذا التيار سوف يتقهقرون رويداً رويداً لمواقفهم الهشة وتأييدهم المستمر للحكومة ووقوفهم ضد مصالح الشعب والتصويت على بعض القوانين التي تحاكي رجل الشارع، ما أدى إلى فقدان قاعدة كبيرة تكن لهم الولاء، بعدما أصبح أعضاء هذا التيار مسيرين ويأخذون الأوامر والتوجيهات من الكتلة وقياداتها، وهذا يجعل المتابع لا يثق بهؤلاء الأعضاء لعدم مقدرتهم على اتخاذ القرارات المناسبة الناجعة. أما الحكومة فقد نجحت في تجميع صفوفها عن طريق التلويح بحل البرلمان، واستخدام بعض الوسائل لمصلحتها وكداعمة لها، واستقطاب الجماهير لموقفها ومحاربة المستجوبين بالوسائل المطروحة كلها.
والمراقب المحايد يرصد ملاحظات مهمة عدة، منها أن الموضوعات المطروحة قد تكون قتلت بحثاً واستوفت الاتجاهات السياسية كلها، إلا أن «شهوة» الكلام كانت تستبد بالأعضاء فيطلبون الكلمة بإلحاح وإصرار شديدين على ذلك، وكان كلامهم في الغالب الأعم مكرراً لما سبق، وكان قصد بعضهم تسجيل النقاط والبطولات، لاسيما أن الإعلام متابع حثيث وقريب من الأحداث. وهذه المناقشات تأخذ وقت المجلس والأولويات المهمة... وهذا أمر يجب تلافيه في الانعقاد المقبل. ومن الممكن أن تقوم التيارات والمجموعات البرلمانية بدور إيجابي لحل هذه المشكلة عن طريق الاتفاق على اختيار متحدثين نوعيين في مختلف الموضوعات للتعبير عن مطالب بقية الزملاء على أساس أن مثل هذا العضو لا يمثل نفسه أو دائرته الانتخابية، ولكنه يمثل الكويت كلها.
والأهم من ذلك أن يكون حرص النائب أشد على مراجعة وتفهم اللائحة والقانون والدستور والعرف، وأن يبتعد عن التطرق إلى موضوعات شعبوية مستحيلة التحقيق، وليست من الأولويات التي تهم رجل الشارع، والبحث عن تحقيق الأمجاد وديمومة التشبث بالكراسي الخضراء وقراءة الجماهير، بما يحرك مشاعرها، وهذه الكارثة والطامة الكبرى التي ستؤخرنا في الميادين كلها، وبالتالي لابد من ضبط حركة النواب في أدائهم التشريعي والرقابي.
والأداء، مهما يكن فيه من سلبيات أحياناً، كان متميزاً عما سبق، إذ تناول المجلس قضايا مهمة عدة، والأعضاء يعانون نتيجة ضغوط من دوائرهم ومن وسائل الإعلام، والتذمر أصبح السائد في حل المشكلات العالقة والحكومة ملزمة بسرعة الاستجابة لمطالب أعضاء مجلس الأمة، ووجود مؤشرات إيجابية وتحقيق بعض الإنجازات الطموحة، لكي تعيد الثقة المهزوزة لدى الظلام الأعظم من الناس من السلطتين.
صحيح أن تنامي المناخ الديموقراطي وفتح باب وسائل الإعلام بمصراعيه فيه الكثير من الإيجابيات وقليل من السلبيات، وله ضريبة سوف تدفعها الحكومة جراء ذلك لقيامها بفتح باب مغلق منذ زمن طويل، لأنه، فجأة، يُفتح هذا الباب وتخرج منه سموم ورياح، خصوصاً أن الإعلام كان مغيباً من زمن طويل!
ومن الأمور الجديرة بالملاحظة أن استخدام النواب للاستجواب لا تزال تشوبه الكثير من أوجه الغموض، أو عدم الفهم لهذه الأداة الرقابية الفعالة، باعتبارها تمثل توجيه اتهام إلى الحكومة قد يؤدي إلى سحب الثقة منها... وقد جاءت بعض الاستجوابات ضعيفة ولا ترقى إلى درجة الاستجواب، ولا نعلم عن تلك الاستجوابات هل تستحق هذه الزوبعة والحرب الضروس والتناحر والحرب الإعلامية كلها بطريقة تثير الاستغراب والاستهجان؟
وأخيراً، ورغم التوقعات كلها على سخونة وعنف الانعقاد المقبل، إلا أن النواب لن يتجاوزوا بأي حال من الأحوال الخطوط الحمراء والسوداء في ظل التهديدات المستمرة باحتمالات حل المجلس، كما أن أداء البرلمان سوف يظل في إطار الحدود المسموح بها. إن الأمل يحدونا في أن يكون الانعقاد المقبل أكثر إيجابية، وأن يحقق إنجازات أكبر من أجل المصلحة العامة وتخفيف الأعباء عن المواطنين، وكل عام والكويت، حفظها الله من أعدائها، بخير.
فيصل فالح السبيعي
محامٍ ومستشار جمعية الصحافيين القانوني
ورغم ما يردده البعض من أن غالبية النواب قد تم تهديدهم بحل مجلس الأمة وترويضهم في الجلسات الأخيرة التي عُقدت بعد تقديم استجواب رئيس مجلس الوزراء، إلا أنه ينبغي الاعتراف بأن الضغوط التي تعرض إليها النواب في وسائل الإعلام المختلفة أحدثت نوعاً من الإرباك والتخبط من قبل مقدمي الاستجواب والحكومة لأن الإعلام إذا تم توجيهه بطريقة غير عادلة وعدم حيادية بالطرح يكون سماً، إذا نفث سمومه. وقد أدى ذلك بمقدمي الاستجواب إلى التمرد وإثبات الذات والموقف، ومقابلة هذه الهجمة بتكتيكات، ومجاراة هذا الإعلام، وعدم استسلامهم وتفنيد استجوابهم للجماهير والإعلام، وعدم خسارة قواعدهم وتوضيح الصورة المشوهة التي رافقت هذا الاستجواب. والأهم من ذلك أن بعض النواب نجحوا في الحصول على مستندات ووثائق مهمة سوف يتم استخدامها في دعم الاستجواب المثير، وحصد المؤيدين لكل من الحكومة والسلطة التشريعية لكبح ردود الفعل العنيفة في الشارع الكويتي، وهي ردود مشحونة ومستغربة وتساعدها جميع الوسائل الإعلامية المختلفة!
واستخدام الاستجوابات بطريقة مستمرة والتلويح بها أصبحت سمة وعرفاً بما أفقد مجلس الأمة دوره الريادي.
منذ 9 ساعات
منذ 9 ساعات
وأداة الاستجواب لا غبار عليها، ولكن يجب أن تُستخدم بصورة فيها تأنٍ، مع دراسة الاستجواب بتعمق وتكون المادة تستحق تقديم الاستجواب لا أن تمارس هذه الأداة بتعسف، وليس المقصود هو استجواب رئيس مجلس الوزراء، وإنما أصبحت أحياناً تُستخدم بتعسف فاضح في الضغط والتهديد من أجل مآرب ومصالح وأجندات خاصة وضياع وقت ومهاترات وترك الشأن العام وعقارب الساعة تتسارع والخاسر الكبير الوطن والمواطن!
ومع ذلك لابد من الاعتراف بنجاح الحكومة في استقطاب عدد من الأعضاء بعد مشروع الاستجواب الأخير، الذي سقط، إذ يلعبون الآن في الملعب من دون خصوم ويحققون المزيد من المكتسبات الخاصة، وسيواصل هؤلاء فرش البساط أمام بعض السادة الوزراء لعرض إنجازاتهم.
ورغم أن الغالبية تبدو واثقة من موقفها هذه المرة، إلا أن ما يحدث تحت السطح الآن يستوجب قدراً من الجدية والاهتمام، خصوصاً مع إبرام اتفاقات تحت الطاولة مع بعض التيارات الإسلامية والليبراليين والمستقلين لدعم تنسيق المواقف والتأييد واستثمار التذمر الشعبي السائد حالياً والظروف الإقليمية والدولية الراهنة، والخوف من حل مجلس الأمة، لأن قياديي بعض التيارات الإسلامية قد أخفق مرات عدة في الانتخابات، وأصبحت هذه الفرصة مواتية في ظل الدوائر الخمس، التي أفرزت بعض الأعضاء، وكان مستحيلاً أن ينجحوا في ظل الدوائر الخمس والعشرين.
والمتابع يجد أن بعض التيارات الإسلامية قد انحرفت عن مسارها الصحيح ماعدا ثلاثة فرسان أكاديمين مازالوا ينتهجون خطاً واضحاً ولم تتزعزع مبادئهم ولهم قاعدة عريضة من الجماهير لمواقفهم الصلبة والحقيقية... وبعض أقطاب هذا التيار سوف يتقهقرون رويداً رويداً لمواقفهم الهشة وتأييدهم المستمر للحكومة ووقوفهم ضد مصالح الشعب والتصويت على بعض القوانين التي تحاكي رجل الشارع، ما أدى إلى فقدان قاعدة كبيرة تكن لهم الولاء، بعدما أصبح أعضاء هذا التيار مسيرين ويأخذون الأوامر والتوجيهات من الكتلة وقياداتها، وهذا يجعل المتابع لا يثق بهؤلاء الأعضاء لعدم مقدرتهم على اتخاذ القرارات المناسبة الناجعة. أما الحكومة فقد نجحت في تجميع صفوفها عن طريق التلويح بحل البرلمان، واستخدام بعض الوسائل لمصلحتها وكداعمة لها، واستقطاب الجماهير لموقفها ومحاربة المستجوبين بالوسائل المطروحة كلها.
والمراقب المحايد يرصد ملاحظات مهمة عدة، منها أن الموضوعات المطروحة قد تكون قتلت بحثاً واستوفت الاتجاهات السياسية كلها، إلا أن «شهوة» الكلام كانت تستبد بالأعضاء فيطلبون الكلمة بإلحاح وإصرار شديدين على ذلك، وكان كلامهم في الغالب الأعم مكرراً لما سبق، وكان قصد بعضهم تسجيل النقاط والبطولات، لاسيما أن الإعلام متابع حثيث وقريب من الأحداث. وهذه المناقشات تأخذ وقت المجلس والأولويات المهمة... وهذا أمر يجب تلافيه في الانعقاد المقبل. ومن الممكن أن تقوم التيارات والمجموعات البرلمانية بدور إيجابي لحل هذه المشكلة عن طريق الاتفاق على اختيار متحدثين نوعيين في مختلف الموضوعات للتعبير عن مطالب بقية الزملاء على أساس أن مثل هذا العضو لا يمثل نفسه أو دائرته الانتخابية، ولكنه يمثل الكويت كلها.
والأهم من ذلك أن يكون حرص النائب أشد على مراجعة وتفهم اللائحة والقانون والدستور والعرف، وأن يبتعد عن التطرق إلى موضوعات شعبوية مستحيلة التحقيق، وليست من الأولويات التي تهم رجل الشارع، والبحث عن تحقيق الأمجاد وديمومة التشبث بالكراسي الخضراء وقراءة الجماهير، بما يحرك مشاعرها، وهذه الكارثة والطامة الكبرى التي ستؤخرنا في الميادين كلها، وبالتالي لابد من ضبط حركة النواب في أدائهم التشريعي والرقابي.
والأداء، مهما يكن فيه من سلبيات أحياناً، كان متميزاً عما سبق، إذ تناول المجلس قضايا مهمة عدة، والأعضاء يعانون نتيجة ضغوط من دوائرهم ومن وسائل الإعلام، والتذمر أصبح السائد في حل المشكلات العالقة والحكومة ملزمة بسرعة الاستجابة لمطالب أعضاء مجلس الأمة، ووجود مؤشرات إيجابية وتحقيق بعض الإنجازات الطموحة، لكي تعيد الثقة المهزوزة لدى الظلام الأعظم من الناس من السلطتين.
صحيح أن تنامي المناخ الديموقراطي وفتح باب وسائل الإعلام بمصراعيه فيه الكثير من الإيجابيات وقليل من السلبيات، وله ضريبة سوف تدفعها الحكومة جراء ذلك لقيامها بفتح باب مغلق منذ زمن طويل، لأنه، فجأة، يُفتح هذا الباب وتخرج منه سموم ورياح، خصوصاً أن الإعلام كان مغيباً من زمن طويل!
ومن الأمور الجديرة بالملاحظة أن استخدام النواب للاستجواب لا تزال تشوبه الكثير من أوجه الغموض، أو عدم الفهم لهذه الأداة الرقابية الفعالة، باعتبارها تمثل توجيه اتهام إلى الحكومة قد يؤدي إلى سحب الثقة منها... وقد جاءت بعض الاستجوابات ضعيفة ولا ترقى إلى درجة الاستجواب، ولا نعلم عن تلك الاستجوابات هل تستحق هذه الزوبعة والحرب الضروس والتناحر والحرب الإعلامية كلها بطريقة تثير الاستغراب والاستهجان؟
وأخيراً، ورغم التوقعات كلها على سخونة وعنف الانعقاد المقبل، إلا أن النواب لن يتجاوزوا بأي حال من الأحوال الخطوط الحمراء والسوداء في ظل التهديدات المستمرة باحتمالات حل المجلس، كما أن أداء البرلمان سوف يظل في إطار الحدود المسموح بها. إن الأمل يحدونا في أن يكون الانعقاد المقبل أكثر إيجابية، وأن يحقق إنجازات أكبر من أجل المصلحة العامة وتخفيف الأعباء عن المواطنين، وكل عام والكويت، حفظها الله من أعدائها، بخير.
فيصل فالح السبيعي
محامٍ ومستشار جمعية الصحافيين القانوني
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي