مرحباً... أنا مواطن مهتم بالشأن العام.
هؤلاء سرقوا البلد... إلا من رحم ربي.
هؤلاء مرتشون... إلا من رحم ربي.
مهملات في بيوتهن..إلا من رحم ربي.
جيل فاسد... إلا من رحم ربي.
كل هؤلاء مزوّرون..إلا من رحم ربي.
وكل هؤلاء ناهبون... إلا من رحم ربي.
وهؤلاء أوغاد إلا من رحم ربي.
في كل قطاعات الكويت ومراكزها... كلهم لا أدري... إلا من رحم ربي.
وكما تعملون فأنا رجل حريص في القول، ولا أوزع الاتهامات جزافاً، ولا أرمي بالظنون في كل اتجاه.
لقد تربيت في تلك البيوت التي يقال عنها إنها من التي يقال عنها إلا من رحم ربي. ودرست في جامعة لا يدخلها إلا من رحم ربي.
وتزوجت امرأة موظفة، وأنجبت ولدين وبنتاً واقتنيت كلباً وأربع أسماك وثلاث علاوات، من تلك التي لا يحصل عليها إلا من رحم ربي.
أبناء عمومتنا أيضاً من الذين رحمهم ربي، كذلك يجب أن أخبركم أنه كان لديّ صديق كنت أعتقد أنه من الشمال، ولكن بعد عشر سنوات اكتشفت أنه من الجنوب... فأدخلته في من رحمهم ربي.
بالتأكيد عزيزي القارئ أنك قابلت يوماً هذا الرجل المهتم، والمتهِم للشأن العام، والذي لديه قدرة عالية على إطلاق التعاميم في كل اتجاه، ثم يختم بقول إلا من رحم ربي.
لماذا تحولت هذه العبارة الجميلة أو الدعاء الداعي للسلوك إلى عبارة تحيل إلى فضاء خلفي، يعفي الناس من أن يكونوا من الذين رحمهم ربي، بدلاً من لوم الآخرين على الخروج منها.
كل يوم نسمع هذا الرجل وعلينا - وبالقانون - أن نحترم وجهة نظره، لأنه كالديك الذي قام بعملية استقراء تاريخية، فاكتشف أن الشمس لا تشرق إلا عندما يصيح قائلا: «كل الناس... كل الناس... كل الناس»!
فإذا قابلته فخذه فوق التل ووشوش له في أذنه اليمنى، عن ماهية الفرق بين الرأي والظن وفحش القول؟
الرأْيُ في اللغة هو الاعتقادُ والربط والتدبير والنظر والتأمل، لذلك فرأيك هو وعيك ويقظتك وتجاربك وحركتك وسكونك على ومع وبين الأشياء.
وقالت العرب: رأيته رَأْيَ العين... وقالت أيضاً «أهو رأي أم وحي؟»
أما الظن - الذي بعضه إثم - فهو ما يبدو في الاعتقاد الرَّاجِح مع احتمال حُدوث عَكْس ما يُعْتقد.
وقالت العرب: في أَغْلَب الظَّنِّ سَيَصِلُ هَذا الْمَساءَ.
ويقال في اللغة إن مِنْ سَيِّئاتِهِ سوءُ الظَّنِّ بِالنَّاسِ، ويقصدون الشخص الذي ينطلق من اِعْتِقاد وَتَصَوُّر أَنَّ كُلَّ ما يَصْدُرُ عَنِ النَّاسِ فيهِ سوءٌ، ويقولون أيضاً: «سَبَقَ أَنْ أَسَأْتُ الظَّنَّ فاغْفِرْ لِي سوءَ ظَنِّي واعْفُ عَنِّي».
وفي القرآن: «إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ».
والفحش في القول هو ما كان قبيحا مجاوزاً الحد، وتعارف عليه الناس أنه منكر، حتى أصبح عندهم حس مشترك أنه مما لا ينبغي أن يقال.
لنستدع صحافتنا... وإعلامنا... وخطابنا السياسي وتغريداتنا في تويتر.
ولنراقب السادة الضيوف خلف الميكروفونات، والسادة والسيدات الفاشينستات خلف الشاشات، ونصغ لأنفسنا إذا تحدثنا عن أو مع أو على الآخرين.
هل نخلط بين الرأي وبين الظن؟
وهل نخلط بين الظن وبين فحش القول؟
أم أن الأمر برمته لا يستحق العناء، ولا يستحق أن نسأل أنفسنا السؤال، لأنه في الواقع كل الناس حولنا أوغاد مرتشون يعيشون بأنانية متورمة لا يحبون أن يسألوا أنفسهم أو يراقبوا كلماتهم وسلوكهم... إلا من رحم ربي.
@moh1alatwan