خلال أمسية شعرية وحوارية أقامها مركز حروف في البروميناد
مريد البرغوثي: حياتي الشخصية شكّلتها قرارات سياسية
استضاف مركز «حروف الثقافية»، بالتعاون مع مبادرة صوفيا المجتمعية الشاعر الفلسطيني مريد البرغوثي، في أمسية حوارية سردية، تفاعلاً مع هذا الشاعر الذي أعطى للإبداع الشعري والنثري الكثير من عمره، بل أنه أعطاه عمره كله، وتحمل في سبيل هذا العطاء غير المحدود العزلة عن أسرته الصغيرة، والترحال، الذي لا يكاد ينتهي إلا ويبدأ مرة أخرى، وحتى السجن، تحمله في سبيل ألا تتوقف الكلمة في حلقه من دون أن يقولها بصدق وأمانة، مهما كان الثمن الذي سيضطر لدفعه.
فمساء أول من أمس في مركز البروميناد الثقافي، كان الحضور الشبابي طاغياً على هذه الفعالية الاستثنائية التي شهدتها الكويت للمرة الاولى منذ 40 سنة، تلك التي أعطى لها البرغوثي نكهة خاصة تحدث فيها عن حياته التي لم تستقر في مكان لسنوات طويلة، وعدم شعوره خلالها بالأمان، كما تحدث عن رفقاء دربه وهمه الإبداعي محمود درويش وناجي العلي، بالإضافة إلى إنشاده لقصائده، التي تحكي الألم وتشير في الوقت نفسه إلى السعي نحو الضوء الخافت من البعيد.
والأمسية التي تخللها بعض الحوارات مع الجمهور أدارها بإتقان الكاتب مصعب الرويشد، استهلتها الزميلة الشاعرة سعدية مفرح بقراءة قصيدة كتبتها عن البرغوثي منذ 20 سنة، وتتحدث عنه كشاعر نحت لنفسه وطناً، وواجه الصعاب في سبيل أن يقول كلماته الصادقة.
ثم أثنى البرغوثي على هؤلاء الشباب الذين تعنيهم الثقافة، وجاؤوا من أجل حضور أمسيته، مبدياً سعادته بالجيل الجديد، الذي يراه عكس ما يراه الآخرون، فلهم طاقات مبهرة، مؤكداً أنه داعم ومساند لكل توجه أو عمل يقوم به الشباب.
وأجاب البرغوثي على سؤال يتعلق بالرحيل والإقامة بقوله: «أنا لا أقيم في الأماكن ولكنني أقيم في الأوقات، فالأماكن دائماً ما أكون مهدداً بتركها، لقد عشت وتنقلت في أماكن وقارات كثيرة، وحياتي التي أعيشها بدون اطمئنان وبدون ضمان... تركت في منازلي التي كنت أقيم فيها ثم هجرتها كتبي ومتعلقاتي وشرائطي المسجلة»، وأوضح أن الرحيل وزع مقدرته وساعده في أن يتعرف على ذاته، وأضاف: «المختلف الذي لا يشبهني هو أنا».
ثم تحدث البرغوثي عن تجربته المريرة مع السجن ومن ثم ألقى قصيدة «غمزة»،
غمزة مِن عينها في العرس
و«انْجَنَّ الوَلَدْ»
وكأنّ الأهلَ والليل
واكتافَ الشباب المستعيذينَ مِن الآحزانِ بالدبكةِ
والعمّاتِ والخالاتِ والمختارَ
صاروا لا أَحَدْ
وبكثير من التأثر تحدث الشاعر عن أسرته الصغيرة... ابنه تميم الذي قرأ أكثر مما قرأه أستاذ جامعي متخصص في مجال التراث العربي وزوجته رضوى عاشور، التي لم تهتم بالشكل الخارجي والقشور وكان جل اهتمامها بالثقافة، وعن منزله الذي كان يضم 5 مكتبات في النقد والشعر والرواية والتاريخ والترجمة، وكشف أن ابنه تميم قبل أن يصل إلى مرحلة المراهقة انتهى من قراءة كل كتب التراث في المكتبة، وهذا ما أهله ليكون شاعراً يتابعه الملايين على المواقع الإلكترونية، كما أن له آراء سياسية تحمل تبعاتها.
وأوضح البرغوثي في سياق آخر أن حياته الشخصية شكلتها قرارات سياسية، وقال: «أليس محمد أنور السادات هو من طردني من مصر وتميم عمره 5 أشهر، وكانت رضوى هي المسؤولة عن شؤون هذا الطفل الصغير وعن عملها الأكاديمي، وهموم الحياة، بينما أنا أعيش بعيدا»، وأوضح أنه وقتها لم يكن يتقابل مع زوجته إلا في أوقات محددة، وظل تميم وحيداً، ليس له إخوة، لأنه لم يكن يقبل إنجاب أطفال تتحمل تربيتهم زوجته وحدها، وأضاف: «السياسة تسقط علينا كالنيزك».
ثم ألقى البرغوثي قصيدة «خلود صغير» من ديوان «استيقِظ كي تحلُم»:
خَلْفَ أزرارِ هذا القَميصِ الخَفيفْ،
أواصلُ أشغالَ مَن ظلَّ حَيّاً:
أدفِّئُ «رضوى» من البَرْدِ،
يسهرُ عندي «مَجيدٌ»
وتقطفُ «أمُّ منيفٍ» زُهورَ حديقتِها
في انتظارِ «مُنيفْ».
واستذكر في كثير من الشجن الشاعر الراحل محمود درويش ورحلته مع المرض حتى وفاته، وأنه من الأوائل الذين التقوا محمود درويش، ليصفه بالطيب والذكي والحيي والمحب غير المتكبر الذي يدرك دائماً خطواته.
واستطرد البرغوثي في إنشاد القصائد والرد على أسئلة الحضور والحديث عن كتابيه «رأيت رام الله»، و»ولدت هناك، ولدت هنا»، وغير ذلك من الأسئلة والقصائد التي حظيت بحفاوة الحضور.