No Script

خُلُق الاعتراف بالجميل يفتقده الكثيرون في عصرنا الحالي

الغيرة والحسد... دوافع الجحود ونكران المعروف

تصغير
تكبير

كثيرون لديهم الحياة  وفق منهجية الأخذ  بلاعطاء مع بعض الجحود ونكران  المعروف لدى البعض

الشكر والاعتراف بالجميل  خلق حث عليه النبي الكريم  والنكران وكفر المعروف  من صفات اللئام

يتناسى البعض الخير  والإحسان من الآخرين  ويقابلونه بالكراهية والشر

تتولد الغيرة وينفجر الحسد عند البعض  ممن يُحسن إليهم  ويصنع لهم المعروف

قصص التراث تؤكد  أن نكران الجميل  سبب لوقوع العقوبة  وزوال النعم

علينا أن نتعلم أن نكون من الأوفياء  ممن يتحلون بخلق  شكر صنائع المعروف


لا يمكن للإنسان أن يعيش منفرداً في حياته، فطبيعة النفس البشرية تميل إلى معايشة الناس، ومخالطتهم، والانخراط في أنشطة متعددة معهم، وقد يرتفع معدل هذه العلاقات بالناس وقد ينخفض، وفقاً لطبيعة ونفسية كل إنسان. وكما نقول دائما إن الحياة قائمة على الأخذ والعطاء، وهي سنة جميلة تنظم علاقات الناس، ولايعني هذا أنك تعطي لتنتظر المقابل، ولكن من الطبيعي أن تتوقع حباً وتقديراً واحتراماً من الآخر الذي منحته، وإن كان عطاء معنويا بمشاعرك وأحاسيسك التي تهبها له، وليس بالضرورة أن يكون عطاء ماديا.
ولكن كثيرا من الناس لديهم الحياة وفق منهجية الأخذ بلاعطاء، مضاف إليها لدى البعض جحود ونكران معروف ونسيان جميل، وقد يتطور الأمر للشعور بالغيرة من الشخص المانح، فكلما أعطيته ازداد غيرة منك، و كراهية لك ونفورا، لأنك تشعره بنقصه وقلة حيلته، وضعف إمكاناته في الحياة. وهذه الفئة من الناس التي نود أن نسلط عليها الضوء في مقالنا لهذا الأسبوع، وبالرجوع لأقوال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم في الاعتراف بالجميل وعدم نكرانه. قال الله سبحانه وتعالى وقوله الحق: «ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدا شكورا»، وقال عز وجل: «فكلوا مما رزقكم الله حلالاً طيباً واشكروا نعمت الله إن كنتم إياه تعبدون».
 فالشكر صفة حميدة وسلوك جميل محبب في القرآن والسنة، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أُعطيَ عطاءً فوجد فليجْز به، ومن لم يجد فليثن فإن مَن أثنى فقد شكر، ومن كتم فقد كفر، ومن تحلَّى بما لم يُعْطَهْ كان كلابس ثوبَي زور». ومعنى قوله ومن كتم فقد كفر يقول قد كفر تلك النعمة. ولندقق النظر في حديث حبيبنا المصطفى عليه الصلاة والسلام الذي يقول فيه: «إنّ أشكر الناس لله عزّ وجل أشكرهم للناس». وقد قال الإمام الخطابي في شرح «هذا يُتأوّل على وجهين: أحدهما: أنّ من كان طبعه وعادته كفران نعمة الناس وترك الشكر لمعروفهم، كان من عادته كفران نعمة الله تعالى، وترك الشكر له. والوجه الآخر: أنّ الله سبحانه لا يقبل شكرَ العبد على إحسانه إليه، إذا كان العبدُ لا يشكرُ إحسان الناس ويكفر معروفهم».
وقال الإمام الخطابي أيضاً: «هذا الحديث فيه ذمُّ لمن لم يشكر الناس على إحسانهم. وفيه حث على شكر الناس على إحسانهم، وشكر الناس على إحسانهم يكون بالثناء عليهم وبالكلمة الطيبة وبالدعاء لهم». وهكذا يوجه الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم المسلمين إلى الإقرار بالجميل وشكر من أسداه إليك، وليس هذا فحسب، وإنما الدعاء له مكافأة، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من استعاذ بالله فأعيذوه، ومن سألكم بالله فأعطوه، ومن دعاكم فأجيبوه، ومن أتى عليكم معروفًا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تعلموا أن قد كافأتموه». الغريب أنّ كثيرا من الناس لايُطبّقون قاعدة الشكر في حياتهم، وهو أمر بعيد كل البعد عن قواعد الدين، وهكذا يعيش هؤلاء حياتهم عائمين في مستنقع النكران والجحود لدرجة يصلون فيها إلى حدّ الضيق فيها من رؤية عبارات الشكر والثناء لمن يستحقها من أهل الخير والإحسان، بل ويُفرطون في باطلهم بنكران قاعدة الشكر بالإسلام لدرجة تشويه صورة من يُطبق مبدأ الشكر والثناء في حياته، فيعتبرون شكره ذلاً وعبودية للمحسنين ولفاعلي الخير. وهذا خلل كبير في فهم الإسلام، وعصيان لنهج خاتم المرسلين، إنها قاعدة أخلاقية إسلامية وسنة نبوية وهم يغفلونها تماماً، ويتكبّرون على تطبيقها، ويغرقون في نظريات نفوسهم الساخطة والناقمة على الحياة والمتذمرة دائما، والباحثة عن الدنيا وملذاتها، والمهمومة بمشاغل الدنيا وحوائجها. ولو علموا قيمة الشكر في حياتهم، لأدركوا كيف ستتحول حياتهم إلى عالم من الجمال والسعادة وراحة النفس. وقد نُصاب أحيانا بصدمة من الطرف الآخر الذي نحسن إليه بسخاء بالمواقف التي يتطلب فيها المساعدة والتدخل لحل الأزمات، وقد يكون عوننا له مادياً وبارزاً في حياته، لكنه يتناسى بسرعة، بل قد ينقلب عليك بشكل مثير للاستغراب دون سبب إلا لغيرته وإحساسه بالنقص! وهذه صفة مذمومة لاينبغي أن تكون في المسلم، فالمسلم بطبعه يكون حامدا لله وشكورا، ثم شاكرا مقدرا للناس في حياته. ونكران الجميل يشير إلى نزول مرتبة النفس ودناءتها، والنفوس الكريمة لا تعرف جحود الفضل، ولا نكران الجميل، وإنما تظل دائما وفية، معترفة لذوي الفضل بالفضل والجود والكرم:
ولقد دعتني للخلاف عشيرتي
فعددت قولهم من الإضلال
إني امرؤٌ فيَّ الوفـــــاء سجيـة
وفعــال كل مهـذب مفضـال
وفي الزاوية الأخرى نرى اللئيم الذي يلتحف بنكران المعروف والجحود، فإن الإحسان والمعروف يزيده تمردًا:
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته
وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا
فحين يتجاهل الإنسان بالقول والفعل المعروف والصنائع الجميلة التي أُسديت إليه من الله عز وجل أو من الناس، فهو بلاشك منكر للجميل، وجاحد للنعمة. وندرك جميعا أن نكران الجميل وكفران الإحسان هو سببٌ لدخول النار، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أُريت النار فإذا أكثر أهلها النساء يكفرن». قيل: أيكفرن بالله؟ قال: «يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهنَّ الدهر ثم رأت منك شيئًا قالت: ما رأيتُ منك خيرًا قط».
إن نكران الجميل سبب لوقوع العقوبة وزوال النعم على الجاحد، ونروي هنا قصة قالها الأصمعي يرحمه الله: سمعت أعرابيًا يقول: أسرع الذنوب عقوبة كفر المعروف. وفي سنة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ما يشهد لذلك، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن ثلاثة في بني إسرائيل: أبرص وأقرع وأعمى، فأراد الله أن يبتليهم، فبعث إليهم ملكًا. فأتى الأبرص فقال: أي شيء أحب إليك؟
قال: لونٌ حسنٌ وجلدٌ حسنٌ ويذهب عني الذي قد قذرني الناس.
فمسحه فذهب عنه قذره، وأعطي لونًا حسنًا وجلدًا حسنًا.
قال: فأي المال أحب إليك؟
قال: الإبل.
فأعطي ناقة عشراء، فقال: بارك الله لك فيها.
قال: فأتى الأقرع فقال: أي شيء أحب إليك؟
قال: شعرٌ حسنٌ ويذهب عني هذا الذي قد قذرني الناس.
فمسحه فذهب عنه وأعطي شعرًا حسنًا.
قال: فأي المال أحب إليك؟
قال: البقر.
فأعطي بقرة حاملاً. قال: بارك الله لك فيها.
قال: فأتى الأعمى فقال: أي شيء أحب إليك؟
قال: أن يرد الله إليَّ بصري فأبصر به الناس.
فمسحه فرد الله إليه بصره.
قال: فأي المال أحب إليك؟
قال: الغنم. فأعطي شاة والدًا فأنتج هذان وولد هذا. قال: فكان لهذا وادٍ من الإبل، ولهذا وادٍ من البقر، ولهذا واد من الغنم.
قال: ثم إنه أتى الأبرص في صورته وهيئته، فقال: رجل مسكين قد انقطعت بي الحبال في سفري، فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك، أسألك بالذي أعطاك اللون الحسن والجلد الحسن والمال بعيرًا أتبلغ عليه في سفري.
فقال: الحقوق كثيرة.
فقال له: كأني أعرفك! ألم تكن أبرص يقذرك الناس؟! فقيرًا فأعطاك الله مالاً؟!
فقال: إنما ورثت هذا المال كابرًا عن كابر.
فقال: إن كنت كاذبًا فصيرك الله إلى ما كنت.
وأتى الأقرع في صورته، فقال له مثل ما قال لهذا، ورد عليه مثل ما رد على هذا. فقال: إن كنت كاذبًا فصيرك الله إلى ما كنت.
وأتى الأعمى في صورته وهيئته، فقال: رجل مسكين وابن سبيل انقطعت بي الحبال في سفري، فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك، أسألك بالذي رد عليك بصرك، شاة أتبلغ بها في سفري.
فقال: قد كنت أعمى فردَّ الله إليَّ بصري، فخذ ما شئت ودع ما شئت، فوالله لا أجهدك اليوم شيئًا أخذته لله.
فقال: أمسك مالك فإنما ابتليتم، فقد رضي عنك وسخط على صاحبيك».
وهكذا علينا ن نتعلم أن نكون من الأوفياء ممن يتحلون بخلق شكر صنائع المعروف.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي