إطلالة

باكستان وميزان قواها الجديد في المنطقة!

تصغير
تكبير

منذ فوز نجم الكريكت الباكستاني عمران خان في الانتخابات النيابية الأخيرة - التي جرت في باكستان ـ كان طموحه - كمرشح - أن يصبح رئيساً للوزراء في بلاده، إلى أن جاءته الفرصة ليكون رئيساً للوزراء بلا منازع، فهناك فعلاً أوساط سياسية مقربة منه توقعت نجاحه باكتساح، عبر دعم الجيش بعدما وعد بانسحاب بلاده من الحرب على الإرهاب، وأيضا معالجة إحباطات بلاده في شأن الانهيار المالي والاقتصادي، واتباع النهج الصيني ثم أسلوب النموذج البريطاني في مسألة الضمان الاجتماعي، الذي يخص شريحة كبيرة من الشعب.
والأهم من ذلك وعده للناخبين الاستغناء عن المساعدات الأميركية، التي تمكنت من سيطرة باكستان على زمام أمورها الداخلية والخارجية، حيث إن خان يرفض سيطرة القوى الأميركية بعد أن عاشت البلاد في مرحلة فوضوية تحت قيادة سابقيه.
وتبقى باكستان اليوم بقيادة خان ذات أجندة واضحة تختلف عن حقبتها السابقة، بعد حصولها على تغييرات سياسية ومالية وسعيها إلى نيل حزمة إنقاذ من صندوق النقد الدولي، والتي تقدر بمليارات الدولارات، إلا أن الأمر لا يشير إلى أن باكستان تعيش مرحلة جيدة جداً، رغم تطمينات خان باختياره أجندة حيوية بين شريحة مميزة من آفاق المستقبل الغربية والآسيوية.


 ففي الواقع لم تكن هناك دولة آسيوية تسانده وتدعمه في مواقفه السياسية والمالية والاقتصادية، وبالتالي فالأمر ليس سهلاً كما يتصوره، بل يتطلب وقتاً طويلاً في منصبه، وذلك للوصول إلى شخصية أكثر شعبية يتقبلها الجميع، رغم شهرته العائلية وثروته، إضافة الى دعمه من المعارضة الباكستانية، في رفضه لخطة إذلال الشعب الباكستاني، ومحاربة الفتن وخفض الإنفاق الاجتماعي. وركز خان على تبسيط إجراءات السياسة الخارجية الباكستانية، وجعلها مرحلة مرنة مبنية على حسن العلاقات الثنائية، بعد مرحلة سيطرة السياسة الأميركية في الداخل.
ويرفض خان الدور الذي اخذته بلاده في الحرب على الإرهاب، كحليف رئيسي من خارج حلف شمال الأطلسي، بعد أن دفعت ثمنه باهظاً، وتساءل خان عن الفائدة من خطة الخطوط المباشرة مع الولايات المتحدة، ووجود العشرات من الطائرات والترسانة وصفقات المساعدات العسكرية الأميركية، فهل حكومة باكستان تستحق كل هذا؟!
بدلاً من الالتفات الى ما كان يجري في أفغانستان وانعكاساته على المنطقة وعلى مجتمعاتنا المسلمة، بل لم نجن من ذلك سوى انتشار ظاهرة العنف المسلح والتطرف الديني والإدمان على الممنوعات، وبالتالي أعلن خان عن انتقال بلاده لمرحلة جديدة، قد تكون واحدة من أفضل الدول المتطورة، التي تنأى بنفسها عن ظاهرة المساعدات والمعونات والضعف في اتخاذ القرار، وبالتالي حتماً ستتوقف باكستان عن ظاهرة الحروب الأهلية أو الحروب مع الآخرين، وذلك لتحريك عجلة التنمية والتطور، والعمل على احترام سيادة باكستان بين الدول المجاورة، والتوقف التام عن قيام الولايات المتحدة بعمليات عسكرية مشبوهة داخل البلاد. لقد كان خان من أشد المعارضين على بقاء القواعد الغربية في بلاده، وبالتالي كان همه الأول تعزيز قدرة الجيش الباكستاني في الدفاع عن نفسه، للابتعاد عن سلطة الولايات المتحدة، إلا أنه بعد فوزه وتقلده رئاسة الوزراء في شهر يوليو الماضي اتهمته أوساط من الاتحاد الاوروبي بمحاولته تقويض الحزب الحاكم، بسبب ارتباطه الوثيق مع سلطة الجيش، الذي كان وراء نجاحه في الانتخابات النيابية الأخيرة.
وحينما تسلم مقعد رئاسة الوزراء وادى اليمين الدستورية لوحظ بعض التغيرات في مواقفه، لا سيما عندما وجد أن الغرب أصدقاء لا يمكن الاستغناء عن مساعداتهم العسكرية والاقتصادية، وقد كان إعلان وزارة الدفاع الاميركية عن قرار الغائها مساعدة باكستان بقيمة 300 مليون دولار بمثابة خيبة أمل لمسيرة أول الطريق، بعد ضعف سيطرتها على قوة ميليشات حركة طالبان.
فاليوم تحاول حكومة باكستان بقيادة خان الحصول على حزمة إنقاذ من جميع الدول الصديقة، على شكل قروض للعمل على إصلاحات داخلية وخارجية عدة، ولكنها اصطدمت بشروط تعجيزية، الأمر الذي جعلها تسعى مرة أخرى إلى الحصول على انقاذ مالي من صندوق النقد الدولي بقيمة 8 مليارات دولار، تلك هي مؤشرات تدل على بطء عجلة تنمية باكستان في عهد خان، ولكن يبقى السؤال هنا: هل ستنفرد باكستان بميزان قواها الجديد في المنطقة أم أنها ما زالت في جعبة هيمنة القوى الأميركية في كل الظروف؟! ولكل حادث حديث.

alifairouz1961@outlook.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي