No Script

أسسه رجل وزوجته لاحتضان صغار اللاجئين والأيتام بصفة خاصة

منزل «القلوب الصغيرة» الخيري... قلب تركي يفيض حناناً على الأطفال الفقراء الأيتام

تصغير
تكبير
  • نحن مفطورون على الحب  والخير والإنسانية فلنسمح  لتلك القيم في حياتنا 
  • المشروع الخيري يبدأ  من الصفر بنوايا بيضاء  تقصد حب الله عزوجل  وينتهي بسعادة كبرى 
  • منزل «القلوب الصغيرة»  يستند على عطايا المحسنين الذين  يدعمون فكرة حب العمل الخيري 
  • الزوجة ماريانا تجهز  الوجبات الساخنة للأطفال  دعماً لهم وحباً  في فعل الخير 
  • نزلاء البيت من الأطفال  يتعلقون برضا بيه وزوجته  لأنهما علامتان بارزتان  للخير الذي يحتويهم

 كم هو رائع أن نعمل الخير ونمدَّ يد العطاء والإنسانية للمحتاجين في العالم من حولنا بسعادة كبيرة دون إحساس بالثقل النفسي، وكما نعلم جميعاً أن للعطاء ثمرة عظيمة جذورها في الأرض، وأغصانها في السماء، ترتقي بنا منازل رفيعة عند الله عز وجل، ومن الطبيعي أن يستصعب البعض فكرة تأسيس مشروع خيري وقد يتثاقل في تنفيذه والمضي في تفعيل فكرة الخير التي تختلج في ذاكرة قلبه وعقله، والسبب هو تلك الزاوية السلبية التي تقتحم البعض، فتُشعره بصعوبة الأمر، ومشقته، فينشغل التفكير بالمعوقات والعراقيل بدلاً من التفكير في الجوانب الإيجابية التي قد ترافق هذا المشروع الخيري منذ البدايات الأولى وحتى النهاية.
المسألة تحتاج إلى تبديل قناعاتنا السلبية إلى إيجابية مليئة بالتفاؤل، إنّ فكرة الخير حين تنطلق في القلب فإنها تُذيب كل العراقيل والصعوبات التي ممكن أن تعيق رحلة الخير. فحين تضيء العزيمة بإشراقات نور حب الله عز وجل وبالرغبة العميقة في التقرب إليه تبارك وتعالى بفعل الخير، فإن العراقيل تذوب بلا أدنى شك. وهذا يقودنا للحديث بشكل عابر عن مشروعنا الإنساني الخيري «قلوب ومهمات» ومقره مدينة تطوان في المغرب، والذي يعتني بالأطفال المحتاجين من الاسر الفقيرة والمعوزة في عدة زوايا مختلفة: اجتماعية ونفسية وتربوية وصحية وتعليمية، بالإضافة لتدريس علوم القرآن وتحفيظه للأطفال لكل الفئات المجتمعية بالمجان.
وقد انطلق المشروع من فكرة عاشت في قلبي سنوات طوالا، وكان لها بذور قديمة منذ الطفولة، فاشتدتْ عزيمتي لتفعيله، فتحققت الفكرة، وظهرت على أرض الواقع، ونضجت وكبرت وتضخمت من فضل الله عز وجل، وهكذا يتبلور فعل الخير من بؤرة الحب المطلق المتمحور في القلب ومنبعه الجميل هو حب الله عزوجل والرغبة القلبية المتجذرة في التقرب بفعل أعمال يحبها جل وعلا. ونأتي هنا إلى تلك القلوب الرحيمة في كل بقاع العالم، والتي تفكر في فعل الخير عبر أيادي الخير والعطاء والإنسانية، قلوب تُفرحها سعادة الآخرين، وتؤلمها تعاستهم. وقد تكون رحلة مشروعات الخير في البداية شاقة، ولكن بتعاظم الهمة وقوة العزيمة وصمود الإرادة يتجلّى الهدف ويتضاعف دوره، وتأتي لذة الشعور بالسعادة الكبرى حين ترى أهدافك تتفعّل وتنبض على أرض الواقع وتنمو بين أكوام بشرية كانت بحاجة إليك، وإلى معونتك.
ونحن نرصد مسيرة الخير في تركيا، وفي إحدى ضواحي مدينة إسطنبول التركية، كان لنا لقاءٌ جميلٌ مع كل من رضا بيه وزوجته ماريانا اللذين أسّسا مشروعاً خيرياً إنسانيا صغيراً في حجمه كبيراً في عطاءاته، وذلك لمصلحة الأطفال الأيتام بصفة خاصة من الأتراك والجنسيات الأخرى خصوصا السوريين المهجرين لتركيا، وانطلق مشروع رضا بيه وماريانا باستئجارهما منزلاً صغيراً جداً من ثلاثة طوابق ولكن في كل طابق حجرة واحدة فقط، صغيرة جداً، ولكن يمكنك أن ترى كل حجرة بحلّة جميلة تلفت الانتباه، حيث ترى الألعاب المعلقة من مثل: الدمى والحيوانات القطنية في الأسقف وكذلك اللوحات والنقوشات المرسومة على الجدران.
يقوم رضا بيه وزوجته ماريانا بتزويد الأطفال الأيتام في فصل الشتاء البارد جداً، بالحساء والشاي وبعض الوجبات الساخنة كالأرز والمرق والخضار الموسمية لتدفئتهم في الشتاء البارد، وبالطبع يقدمان المأكولات في المواسم الأخرى بصفة يومية، كما يتم تزويد الأطفال المحتاجين بالملابس والقصص والألعاب الجديدة والمستعملة التي تُقدّم للمنزل كتبرعات من المحسنين الأتراك، وغيرهم ممن يزورون حي بلاط. ويضم المنزل رفوف القصص المنوعة لمختلف الأعمار، وكلها من تبرعات المحسنين ممن يزورون المنزل الذي يُعد متحفاً صغيراً وجميلاً جداً بألوانه ورسوماته في حي بلاط الشهير برسومات الجدران بمدينة إسطنبول.
ويضيف رضا بيه: «فكرنا بتأسيس المشروع من أجل الأطفال عامة والأيتام الفقراء خاصة من الأتراك والسوريين النازحين لتركيا وغيرهم، ونحن نهتم برعايتهم، ونتكفل بمتابعة أحوالهم اعتماداً على تبرعات المحسنين، وتقوم زوجتي ماريانا يومياً بطهو الحساء وبعض المأكولات الأخرى للأطفال الذين يأتون هنا لتناول وجبة الإفطار والغداء يومياً على مدار العام، ووجبات ساخنة في فترة الشتاء البارد جداً، وكذلك يأتي الأطفال لتمضية وقت ممتع للعب بالدمى والألعاب المتوفرة لدينا هنا في المنزل الذي يؤويهم نفسياً واجتماعياً، كما أن بعض الأطفال يحبون قراءة القصص المتنوعة المتوفرة هنا، ويقومون أيضا بالرسم والتلوين» وأضاف رضا بيه: «أساعد بعض الأطفال الأيتام والمهاجرين اللاجئين لتركيا في بعض الدروس التي يواجهون فيها بعض الصعوبات كاللغة التركية وبصفة خاصة للأطفال السوريين الذين بالطبع يدرسون بمدارس الحكومة هنا بإسطنبول».
وأشار إلى «أن منزل القلوب الصغيرة يرحب جداً بكل الموهوبين الكبار، الذين يمكنهم تقديم ورش ودورات مفيدة للأطفال في الجانب التنموي الفكري والسلوكي والإبداعي والحرفي، ويرحب بالحفلات الجماعية التي يمكن التنسيق والتخطيط لها لرسم الابتسامة على وجوه الأطفال المحرومين مادياً، وكذلك تنشيط الأطفال بالأنشطة المختلفة لتسليتهم وإسعادهم». وأكّد أنه وزوجته ماريانا يراعيان أدق التفاصيل في شأن الأطفال حيث يُنظمان رحلات جماعية ترفيهية للأطفال، ويحتفلان بمناسبات الأطفال المهمة.
والتقينا بطفلين من مدينة حلب السورية، سهام البالغة من العمر أحد عشرعاماً، وأخيها جهاد الذي يصغرها بعامين تقريباً. وقد نزحا لإسطنبول هروباً من الأحداث الدامية في سورية قبل سبع سنوات تقريباً، حيث تعرض منزلهما لقصف صاروخي تُوفي على إثره والدهما، تقول سهام: «جئت هنا مع والدتي وأخي جهاد، وكنا في سن صغيرة جداً، وتبذل والدتنا جهدها لتوفير سبل العيش لنا رغم إمكاناتها المحدودة جداً التي تقوم على تبرعات المحسنين، ونحن أيضاً بدورنا نساعد والدتنا ببيع الحلوى في الشوارع، ونحاول التنسيق بين دراستنا وهذا العمل الشاق، حيث إننا ندرس بمدرسة تركية حكومية، وقد تعلمنا التركية، وساعدنا هذا كثيرا في التعايش مع الأتراك والتفاهم معهم». وأضافت سهام: «نحب السيد رضا وزوجته ماريانا لأنهما عطوفان علينا، والسيد رضا بصفة خاصة يحبنا كثيراً، ويلعب معنا، ويساعدنا أحيانا في فهم دروسنا التركية، ويزودنا بالملابس والألعاب والقصص التي يتقدم بها المحسنون».
 وأكدت سهام وأخوها جهاد عمق الإحساس بالسعادة والراحة النفسية حين يأتيان لمنزل «القلوب الصغيرة» حيث يمكنهما التنفيس عن ضغوطات الحياة، ويمكنهما تمضية وقت ممتع جداً مع الأطفال الآخرين. وهكذا ترتسم براءة الطفولة والعفوية على وجه كل من سهام وجهاد، وقد ودعناهما على أمل اللقاء بهما مستقبلاً إن شاء الله تعالى في إسطنبول. ‏وفي الختام نقول: كُلُّنا مفطورون على فعل الخير والحب والعطاء، وكلنا نحمل المعاني الإنسانية في قلوبنا وأرواحنا، فلنسمح لفطرة الخير أن تعبر عن نفسها، وبذرة الحب أن تتنفس، وسنحصد بلا شك ثمرته عند الله عزّ وجل. لتكُن يدنا سخية في العطاء للفقراء والمحتاجين الذين قدّر الله لنا أن نكون في عونهم ما استطعنا لحكمة منه جلّ وعلا، ولنمنحهم - بحب - بعضاً من وقتنا ومالنا، فشأن هذا عند الله تبارك وتعالى عظيم.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي