مشاهدات من زيارة مخيمات اللاجئين السوريين في الأردن
الكويت تمسح الشقاء... فتحصد الأمل
- خليل عبدالله: هذا ما رأيناه بأعيننا من مآسي ما يُسمى «الربيع العربي»... فكيف بالذي لم نره؟
من رأى ليس كمن سمع... وحال ضحايا الأزمة السورية ليس كمثله حال يُحسدُ، ولسان حال الرائي ما جاده معروف الرصافي بقوله «لقيتها رثة والرجل حافية... والدمع تذرفه في الخد عيناها... بكت من الفقر فاحمرت مدامعها... واصفر كالورس من الجوع محياها».
لم تكن رحلة عادية تلك التي رافقنا بها الشعبة البرلمانية الكويتية برئاسة رئيس مجلس الامة مرزوق الغانم، وعضوية النواب علي الدقباسي ومحمد الدلال والدكتور خليل عبدالله والدكتورعودة الرويعي وراكان النصف والحميدي السبيعي الى المملكة الأردنية الهاشمية لمدة ثلاثة أيام، للمشاركة في المؤتمر التاسع والعشرين للاتحاد البرلماني العربي، ولم تكن مطبوعة بجمود بروتوكولي أو سياسي، وإنما حملت في طياتها «تيه المشاعر» بحزنها وفرحها وسعادتها وبؤسها، وتناقضات كل ما هو إنساني بخيره وشره...«تيه» يجعلك تقف مبهماً مرتبكاً أمام ما خلفه عبر ردح من الزمان، ربيع متخيل لا تزال آثاره ها هنا بالقرب منا.
في المخيمات العشوائية للاجئين السوريين خارج مدينة عمان الاردنية، نساء ثكالى وأطفال يتامى يفترشون العراء، إلا من خيام أوهنتها الريح والمطر، وأقدام صغيرة تطأ الطين حافية في عز الشتاء، وثياب بالية لن تقيهم برد العراء. لا قوت لهم ولا مأوى إلا ما يسرته رحمة الله ثم أياد جبلت على الخير والعطاء، كانت وما زالت الكويت في مقدمة ركبها، كما كانت جمعية الهلال الاحمر الكويتي خير سفير لها...كيف لا وأميرها قائد الإنسانية.
في أولى محطات زيارتنا للملكة الاردنية الهاشمية، حرص وفد الشعبة البرلمانية في صباح ثاني أيام الوصول على زيارة مخيمات اللاجئين السوريين العشوائية على أطراف مدينة عمان، بمعية ممثلي جمعية الهلال الاحمر الكويتي، مها البرجس والدكتور مساعد العنزي، حيث كان في استقبالنا العوز والإملاق بمعناهما الحقيقي، متجسداً بهيئة أطفال ونساء وشيوخ... عوز يجعلنا نحمد الله على ما حبانا به من نعم بعد نعمة الإيمان، ولعل أهمها الأمن في الأوطان.
للحظة خيم الأسى والوجوم على وجوه الوفد الكويتي من كآبة المنظر وسوء المنقلب الذي ألم بهذه الاسر النازحة. في هذا المخيم أسى لم تبدده إلا فرحة أطفال يتامى غالبت حياء الحاجة والعوز في عيون أمهاتهم، عند استلامهن المساعدات من طعام وكساء ودواء همّ بتوزيعها رئيس مجلس الامة واعضاء الشعبة البرلمانية.
ومن المخيمات العشوائية حطت رحالنا عقب مسير امتد لما يقارب ساعة من الزمن خارج مدينة عمان، في مخيم الزعتري المقام على مساحة 3.3 كيلو متر مربع مسورة بالشباك شمال شرق الأردن في محافظة المفرق، حيث يقطنه عشرات الآلاف من اللاجئين السوريين، نصفهم أطفال ولد بعضهم في مبانيها المشيدة من صفيح، وبين خزانات المياه المنتشرة في المكان، يضم حتى بداية العام الماضي 29 مدرسة أنشأت كويت الخير منها مدارس عدة وسميت إحداها باسم راسم البسمة «مدرسة الشيخ صباح الأحمد الصباح الابتدائية».
مدير هذه المدرسة قال لرئيس مجلس الأمة ووفد الشعبة البرلمانية، بأنه فخور بالمدراس التي بنتها الكويت، لتميزها بأفضل بنية تحتية على مستوى جميع مدارس المخيم، ويتم تخصيصها للطالبات في الفترة الصباحية وللطلاب في الفترة المسائية.
ترحاب الطالبات بالوفد الكويتي سبق استقبال القائمين على هذه المدرسة، وأصوات إنشادهن بالشكر والامتنان للكويت أميراً وشعباً علت على صوت شرح المضيفين لسير العمل في المكان، وفرحتهن بالهدايا التي وزعها أعضاء الشعبة البرلمانية مسحت كل الأسى الذي ارتسم على وجوه الحاضرين... لحظات يلتبس التعبير في وصفها... تناقض صارخ ما بين أياد استطاعت خلق كل هذا الشقاء وأخرى رسمت رسم هذه السعادة والفرح.
عقب تلك الزيارة، لعل أبلغ ما يمكن سماعه هو ما لخصه النائب خليل عبدالله في سؤال اعتراضي أثناء حديث عابر مع الوفد المرافق عن الزيارة قائلاً «هذا ما رأيناه بأعيننا من مأسي ما يسمى بالربيع العربي... فكيف بالذي لم نره؟».